خلق الكون وخلق المخلوقات، وخلق الإنسان وعلمه وأنزله إلى الأرض للإعمار متسلحاً بالمعرفة التي عرَّفه إياها، لهذا كله فالله هو العظيم العظمة المطلقة، التي لا ينافسه عليها أحد. هو المطلق في صفاته، لا تنطبق عليه سنن كونه، فهو خارج الزمان والمكان، ليس كمثله شئ لا في الأرض ولا في السماء. لهذا فنحن البشر عرفنا الله من مخلوقاته، عرفناه من إحكام النظام، عرفناه من القوانين ومن العدل، مع أن البعض غير قادرين على رؤية العدل الإلهي لما يرونه من تسلط وتجبر من القوي على الضعيف، فهم غير قادرين على استيعاب أنه لا بد من وجود الشر والخير ليتمايز الناس وتظهر معادنهم، فالشر ضروري، وهو في الحقيقة استثناء من الحالة العامة السائدة والمهيمنة وهي حالة الخير، ولكن ولأنه شر، ولأنه كالنقطة السوداء في الثوب الأبيض، فإن الناس يتصورونه كثيراً كثيفاً، إلى درجة أنهم يصورونه العام والخير الاستثناء.
يظن البعض من الناس أن الشعائر هي الطريق إلى استشعار عظمة الله، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أن الشعائر فرضت في أوقات متأخرة من الفترات الرسالية، وأخص هنا الرسالة المحمدية الخاتمة، ففي البداية لماذا محمد، هو الذي خصه الله بتحمل هذه الدعوة دوناً عن سائر البشر آنذاك، وعلى الرغم من أميته؟؟!! بالطبع لأن عقله استثنائي، فبمجرد اعتزاله قومه وإحساسه ببغض أفعالهم التي توارثوها أباً عن جد، فهو بذلك قد خرج بعقله وأنقذ نفسه من فخ التبعية والتقليد، وسعى إلى المعرفة والبحث عن القوة المطلقة التي تستحق أن نتوجه لها بالعبادة والطاعة، وهذا حال سائر الأنبياء. فاستشاعر عظمة الخالق -جل في علاه- لا تكون بالمحافظة على إقامة الشعائر فقط مع أنها مطلوبة، ولكنها يجب أن تكون مقرونة بالبحث الدائم عن الحقيقة التي لا يملكها إلا الله، وهذا البحث لا يكون إلا عن طريق امتلاك عقل تواق للمعرفة، فأدلجة الدين هي من أخطر ما يجعل العلاقة بين الرب والبشر، علاقة فاترة.
إن السعي الدائم المعرفة، هو ما يقربنا من الله، وهو الذي يزيد من إحساسنا بعظمته، وليس المقصود البحث في العلوم الدينية، بل البحث في كافة العلوم الأخرى العلمية والآداب الإنسانية، فكلما زادت معارف الإنسان كلما زادت منرلته وقربه من الله بسبب ازدياد عظمة الله في نفس الإنسان، ولا ننسى أيضاً أن المعرفة بالله تزيد الإنسان أخلاقاً وتجمل طباعه نظراً لمحاولته الدائمة للاقتراب من صفات الله الكاملة فالمعرفة بشكل أو بآخرهي سبيل السعادة.
المقالات المتعلقة بكيفية تعظيم الله