إنّ الأطفال هم نعمة الله لعباده، لقوله سبحانه وتعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً)، وقوله أيضاً: (ويهب لمن يشاء الذّكور)، والله سبحانه وتعالى هو الرّازق لعباده، والمسيّر لأمورهم، ولا يشكر على مكروه سواه، قال سبحانه وتعالى: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) سورة الشورى،50 ، والعقيم هو الشّخص الذي لا يُرزَق بالأولاد، وهذا من عند الله، وعلى كلّ حال فإنّ أمر المسلم كلّه خير، وفي هذا المقال سنتطرق إلى موضوع العقيقة وكيفيّة توزيعها.
كيفية توزيع العقيقةلقد استحبّ العلماء والفقهاء أن يتمّ توزيع العقيقة، على نفس تقسيم الأضحية، إلى ثلاثة أثلاث، حيث قال الإمام أحمد: (نحن نذهب إلى حديث عبد الله: يأكل هو الثّلث، ويطعم من أراد الثّلث، ويتصدّق على المساكين بالثّلث)، وأمّا بعض العلماء قالوا: (تجعل نصفين: يأكل نصفاً، ويتصدّق بنصف)، في حين قال ابن قدامة: (ولنا ما رُوي عن ابن عباس في صفة أضحية النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ويطعم أهل بيته الثّلث، ويطعم فقراء جيرانه الثّلث، ويتصدّق على السّؤال بالثّلث )، رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن .
وأمّا في ما يخصّ العقيقة، فهي كما قال الخرقي: (وسبيلها على ما تقدّم، فلا يشترط أن توزّع على ثلاثة أقسام، بل يجوز أن يوزّعها أثلاثاً، أو نصفين، أو أن يأكلها كلها، أو أن يتصدّق بها كلها، أو أن يعمل عليها وليمةً، لكنّ الأفضل أن يأكل منها ويتصدّق). (1)
تعريف العقيقةتُعرف العقيقة لغةً بأنّها: الشَّعر الذي يولد به الطفل لأنّه يشقّ الجلد، وهي مأخوذة من عَقَّ، يَعِقُّ ويعَقُّ، فنقول عقّ عن ابنه بمعنى حلق عقيقته، أي حلق شعر رأسه، أو ذبح الشّاة المسماة عقيقةً. في حين قال ابن منظور عن العقيقة: وقيل للذبيحة عقيقةً لأنّها تُذبح، فيُشقّ حلقومها، ومريئها، وودجاها قطعاً، كما سمّيت ذبيحةً بالذّبح، وهو الشقّ.
وأمّا العيقية في الاصطلاح فقد عرّفها الفقهاء على النّحو الآتي: حيث قال الإمام البغوي: اسم لما يذبح عن المولود. وقال الحافظ العراقي: العقيقة: الذّبيحة التي تذبح عن المولود. (2)
مشروعية العقيقةعرفت العقيقة عند العرب في أيّام الجاهليّة، حيث قال الماوردي: فأمّا العقيقة فهي شاة تذبح عند الولادة، كانت العرب عليها قبل الإسلام. وقال ولي الله الدهلوي: واعلم أنّ العرب كانوا يعقّون عن أولادهم، وكانت العقيقة أمراً لازماً وسنّةً مؤكدةً، وكان فيها مصالح كثيرة راجعة إلى المصلحة الماليّة والمدنيّة والنفسانيّة، فأبقاها النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وعمل بها، ورغّب النّاس فيها.
وممّا يدلّ على مشروعيّة العقيقة أيضاً ما ورد في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (2) قال: سمعت أبي - بريدة - رضي الله عنه - يقول: (كنّا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاةً، ولطخ رأسه بدمها، فلمّا جاء الله بالإسلام كنّا نذبح شاةً، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفران) رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، والبيهقي .
حكم العقيقةهناك خمسة أقوال للعلماء في حكم العقيقة، وهي: (2)
يرى جمهور العلماء أنّ الشّروط التي تجب في العقيقة هي ذاتها التي تشترط في الأضحية، مثل: أن تكون من الأنعام، ومن حيث سِنّها، ومن حيث سلامتها من العيوب، حيث قال الإمام مالك: (إنّما هي بمنزلة النّسك والضحايا، لا يجوز فيها عوراء، ولا عجفاء، ولا مكسورة، ولا مريضة)، وقال الإمام التّرمذي: (وقالوا لا يجزئ في العقيقة من الشّاء إلا ما يجزئ في الأضحية)، وقال ابن قدامة: (وجملته أنّ حكم العقيقة حكم الأضحية في سنّها)، وبالتالي فإنّه يشترط في العقيقة ما يأتي: (2)
والمقصود بالاشتراك في العقيقة هو أن يشترك سبعة أفراد مثلاً في ذبح بقرة أو جزور عن سبعة أولاد، أو يشترك سبعة أشخاص في ذلك، منهم من يريد اللحم ومنهم من يريد العقيقة، وبالتالي فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وهم على قولين: فأمّا القول الأوّل فهو جواز ذلك، وهذا هو قول أصحاب المذهب الشّافعي، حيث قال النّووي: ولو ذبح بقرةً أو بدنةً عن سبعة أولاد، أو اشترك فيها جماعة، جاز، سواءً أرادوا كلهم العقيقة، أو أراد بعضهم العقيقة، وبعضهم اللحم، كما سبق في الأضحية. وقال الحافظ بن حجر أيضاً: وذكر الرّافعي بحثاً أنّها تتأدّى بالسُبُع كما في الأضحية.
وأمّا القول الثّاني فهو عدم جواز أن يشترك عدّة أشخاص في العقيقة، ففي حال رغب شخص في أن يعقّ ببقرة أو جزور، فإنّه يجوز له ذلك عن مولود واحد فقط، وهذا ما نصّ عليه الإمام أحمد، وهو قول الحنابلة أيضاً، قال الخلال في جامعه: باب حكم الجزور عن سبعة: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد، أنّه قال لأبي عبد الله - الإمام أحمد - يعقّ بجزور، وقال الليث قد عقّ بجزور. قلت: يعقّ بجزور عن سبعة؟ أنا لم أسمع في ذلك بشيء، ورأيته لا ينشط لجزور عن سبعة في العقوق.
والحنابلة يرون أنّ رأس البقر أو الإبل يجزئ عن طفل واحد فقط، وبالتالي فإنّه لا يصحّ أن تذبح البقرة عن سبعة مواليد، ولا النّاقة كذلك، حيث قال المرداوي: ولو عقّ ببدنة أو بقرة لم يجزه إلا كاملةً. وهذا هو قول المالكيّة فيما يظهر.
وأمّا حجّة الشّافعية في قولهم فهو ما ورد في الحديث عن جابر قال: (نحرنا مع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وغيرهم. وأمّا حجّة الحنابلة على قولهم فهو عدم ورود دليل على ذلك الأمر.
قال ابن عثيمين معلقاً على قول موسى الحجّاوي المقدسي: وحكمها كالأضحية، إلا أنّه لا يجزئ فيها شِرْك في دم - أي العقيقة لا يجزئ فيها شِرْك دم -، فلا تُجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، ولا تجزئ عن ثلاثة، ولا عن أربعة من باب أولى. ووجه ذلك: أولاً: أنّه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف. ثانياً: أنّها فداء، والفداء لا يتبعّض.
ومع أنّ الحنابلة يرون أنّ حكم العقيقة هو مثل حكم الأضحية، إلا أنّهم استثنوا مسألة الاشتراك من ذلك، وذلك لما ذكره المرداوي: ويستثنى من ذلك أنّه لا يجزئ فيها شرك في بدنة ولا بقرة. وقال ابن القيّم: ولا يجزئ الرّأس إلا عن رأس هذا بتمامه تخالف فيه العقيقة الأضحية والهدي. (2)
المراجع(1) بتصرّف عن فتوى رقم 9172/ كيف تُوزّع العقيقة ؟/17-7-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب المُفصّل في أحكام العقيقة/ حسام الدين بن موسى بن عفانة/ القدس- فلسطين/ الطبعة الأولى.
المقالات المتعلقة بكيفية توزيع العقيقة