يُعدّ مفهوم الحريّة مفهوماً نسبيّاً؛ إذ يختلف تعريفها وفهمها باختلافِ الزّمان والمكان، ولذلك؛ وُضعت تعاريفٌ كثيرة لوصفها، فأشهرُها هو تعريفُ إعلان حقوق الإنسان الذي صدر إبّان الثورة الفرنسية سنة 1789م؛ حيثُ وصفَ الحريةّ بأنّها: (حقُّ الفرد في أن يفعل كلّ ما لا يضرُّ بالآخرين)،[١] وأنّ مفهومَ الحُريّة ككلمة: هي أنْ يكون الإنسانُ قادراً على فعلِ و اتّخاذ القرار الذي يُناسبه بإرادة منه دون إجبارٍ أو تأثيرٍ من طرفٍ خارجيّ -سواءً أكان القرار مادياً أو معنوياً- وعدم انقياده لأيّ فرد دونَ وعي وتفكير.[٢]
أمّا عن الحُرّيّة كمفهومٍ؛ فإنّها تُعرَّفُ بوجود إطارٍ شاملٌ وعام لا يُقيّد حرية الإنسان الشّخصية، ولا يتحكّم بها؛ بل يُنظّمها ليُحافظ على حُريّات الأفراد الآخرين؛ فلكلّ إنسان حُريّته في النطاق الذي لا يتعدّى فيه على حُريّة الآخرين؛ حيثُ إنّ الإنسان لا يعيش وحده؛ بل ضمنَ جموع كبيرة لها الحقّ في الحُريّة كذلك.[٢]، ويقول المُفكّر المصري أحمد لطفي السّيد عن الحريّة: (حُريتنا هي نحن، هي ذاتنا ومقوِّم ذاتنا، هي معنى أنّ الإنسان إنسان، إنِّ حريتنا ما هي إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحريّة)،[٣] ويُضيف: (الحرية غرضُ الإنسان في الحياة، كانت ولا تزال هواهُ الذي طالما قدَّم له القرابين، وأنفق فى سبيله أعز شيء عليه، ولئن وصفنا ما وصفنا من شوق الإنسان إلى الحرية، فلا نبلغ من إثباته ما بلغته الحوادث الحِسّية التي تقع من الأفراد والأمم، دالّة على أن الحرية هي الحياة، بل أعزُّ من الحياة).[٣]
يُعرَّف مفهومُ حُريّة المرأة بامتلاك المرأة لخياراتها الأخلاقية والإنسانية بشكل مطلق؛ حيثُ إنَّ حريُّتها هي أساسُ كونها إنساناً لا فرق بينها وبين الرجل في ذلك،[٤] ولا شكَّ أنّ الحرّية هي حقٌّ من حقوق المرأة التي من الواجب أن تحصل عليه بشكلٍ كاملٍ دون تجزئة.[٥] إنّ من ينظرُ لتاريخ مفهوم الحريّة ومدى ارتباطه بحياة المرأة سيجدُ الكثير من الحقائق المؤسفة؛ فقد تعرّضت المرأة لظُلمٍ كبير في كثيرٍ من الحضارات، منها:[٦]
إنّ مفهومَ حُريّة المرأة يعني أنْ تمتلك المرأة كلّ ما يرتبط بجسدها ورُوحها وكلّ اختياراتها؛ كاختيار القرارات المُناسبة، ونمط الحياة التي تُريده، وتحديد هدفها وطُموحها في هذا العالم، وأنْ تكون مسؤولةً عن نفسها دونَ وِصاية أحد؛ أي أن تكون حُرّة بذاتها وإنسانيّتها مع مراعاة الأخلاق والقيم الإنسانيّة.[٧]
جاءَ الإسلام بتشريعاتٍ تُساوي بين الرجل والمرأة في جميع الأحكامِ، وجاءَ ليُحرّر المرأة من ظُلم الجاهلية وجُورها إلى عدل الإسلام؛ فحرّم على المُسلمين وأد بناتهم، وأعطى للمرأة حُريّتها خاصّة في الجانب الاجتماعيّ والماليّ؛ فلا تُزوّج إلا بموافقتها، كما أنّ لها حُريّة التصرّف بمالها، والحقّ في الميراث، وممارسة مختلف الممارسات التجارية، وقد كرّم الإسلامُ المرأةَ وألزم الرَّجلَ بالإنفاقِ عليها سواءً أكانت؛ بنتاً، أو أُمّاً، أو زوجةً، أو أُختاً، وليس للإنفاق عليها علاقةٌ بكونها غنيّة أو مُحتاجة، إنّما هو واجب على الرَّجل.[٨] وردت الكثير من الأحاديث التي أوصى بها الرّسول بالمرأة، ومنها:
وصلت حُرّيّة المرأة في الإسلامِ إلى حدودٍ عظيمةٍ لدرجة مناقشة الخليفة، ففي يومٍ (قال عمرُ: لا تُغالوا في مُهورِ النساءِ، فقالَتِ امرأةٌ: ليس ذلك لكَ يا عمرُ، إنَّ اللهَ يقولُ وآتَيْتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا مِن ذهبٍ، فقال عمرُ: امرأةٌ أصابَتْ رجلٌ أخطأَ)[١٢]، كما وصلَت حُرّيتها لمناقشة الوحي، فلمّا أحسَّت أم سلمةٍ أنّ الوحي يُخاطب بقوله الرّجال فقط، راحت لرسول الله مُسرعةً، (وقالتْ: يُذْكَرُ الرجالُ في الهجرَةِ ولا نُذْكَرُ)[١٣]، فنزل قول الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[١٤].
عواقب قمع الحُريّة إنّ سلبُ حُريّة المرأة أمر غير مقبول، حيثُ إنّها فطرته التي خُلق عليها، كما أنّها قيمةٌ عظيمة منحها إيّاها الخالق، فإذا سُلبت منها؛ فستتوقُ لها وستسعى بكل قدرتها لتحصيلها، كما أنّ الإفراط بحقّ الحُريّة مبعثٌ للخراب والذل والدّمار.[٢]
المقالات المتعلقة بحرية المرأة