سكرات الموت شديدةً قويّة على كلّ نفس، وهي أشدّ ما تكون على الكافرين، وربّما تشتدّ على المؤمنين لترفع درجاتهم وتُعلي منزلتهم، وتُكفّر عنهم سيّئاتهم، كما قد تكون خفيفةً على كثير من المُؤمنين. والمُحصِّلة في ذلك أنّ كل نفسٍ سواءً كانت مُسلمةً أو كافرةً ستمرّ بهذه المرحلة؛ وذلك لقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)،[١] وقال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)،[٢] وقال النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- في مرض موته: (لا إله الإ الله، إنّ للموت سكرات)،[٣]
النّاس مُتفاوتون في شدّة سكرات الموت وضعفها؛ فمنهم من يُكابد بها ويُعاني، ومنهم من لا يشعر بسكرات الموت، فينتقل بين الحياة والموت كما ينتقل النّائم بين اليقضة والغفوة، ولا علاقة لشدّة سكرات الموت بقوّة الإيمان أو ضعفه، فقد مَسّت سكرات الموت رسول الله وعانى منها أشدّ مُعاناة، حيث ورد عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قوله: (دخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُوعَكُ، فقُلْت: يا رسولَ اللهِ، إنك لَتُوعَكُ وعْكًا شَديدً؟ قال: أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجُلانِ منكم، قُلْت: ذلك بأن لك أجرينِ؟ قال: أجل، ذلك كذلِك، ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فما فَوقَها، إلا كفَّرَ اللهُ بها سيآتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها).[٤]
معنى سَكرات الموتسكرات الموت مُفردها سَكَرة أو سَكْره، وتُطلق السّكرة على عدّة معانٍ، هي:
الظّاهر من خلال التّعريفات السّابقة أنّ سكرة الموت هي حالةٌ من الإغشاء سببها شدّة المُعاناة والألم التي تُصيب المُحتضِر قبل وفاته بفترة قصيرة أو طويلة، بحيث يكون في حالةٍ بين الوعي واللاوعي، فسكرة الموت هي حالةٌ تُصيب المُحتضِر من الإغشاء المُقارِب للإغماء.
سكرات الموت في القرآن والسُنّةجاء ذكر سكرات الموت في القرآن الكريم والسُنّة بعددٍ من المواضع، وذلك دليلٌ على أهميّة الأمر واستحقاقه للتوقّف عنده مَليّاً، ومن النّصوص التي جاءت في ذكر سكرات الموت وشدتها في القرآن والسُنّة ما يأتي:
سكرات الموت في القرآن الكريمجاء وصف سكرات الموت بأربع آيات على وجه الخصوص، وتلك الآيات هي:
كما جاء ذكر سكرات الموت في القرآن الكريم، فإنّها كذلك ذُكِرَت في السُنّة النبويّة في عددٍ من المواضع، خصوصاً في المرحلة التي كان فيها رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يحتضر؛ فقد ذكر عليه الصّلاة والسّلام لمن كان حوله ما يُعاني من سكرات الموت، ولأهميّة هذا الموضوع فقد أفرد الأمام البخاريّ في كتابه المعروف بصحيح البخاريّ باباً أسماه باب سكرات الموت، وأورد فيه عدداً من الأحاديث الواردة عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، ومن هذه الأحاديث ما روته أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: (إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ - يَشُكُّ عُمَرُ - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: (فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى) حتى قُبضَ ومالت يداه).[١٧]
وهذا يدلّ على أنّ المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- مع قربه من الله وحبّ الله له، إلا أنّه وجد سكرات الموت في لحظات موته وعانى منها أشدّ المُعاناة، حتى أنّه كان من شدّة الألم وشدّة وقع سكرات الموت عليه يصحو ثم يُفيق، وقد كان ذلك ليرتفع مَقام ومنزلة المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- عند ربّه. فقد روي عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله ابتلاه اللهُ في جسدِه أو في مالِه أو في ولدِه ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى).[١٨]
وممّا رُوِيَ عنه -عليه الصّلاة والسّلام- في باب سكرات الموت كذلك وألمه خلالها تحديداً ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: (دخلتُ على رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو يُوعَكُ، فقُلْت: يا رسولَ اللهِ، إنك لَتُوعَكُ وعْكًا شَديداً؟ قال: (أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجُلانِ منكم) قُلْت: ذلك بأن لك أجرينِ ؟ قال: أجل، ذلك كذلِك، ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فما فَوقَها، إلا كفَّرَ اللهُ بها سيآتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها).[١٩]
أعراض سكرات الموت عند الأطباءقام أحد المعاهد الواقع في مدينة براغ عاصمة الجمهورية التشيكيّة بإجراء دراسة على ما يحصل للمرء في مرحلة احتضاره حتى وفاته؛ وذلك كي يطّعلوا على ما يراه الإنسان في آخر حياته، وقد وصفوا ذلك بعد هذه الدّراسة بأنّ الإنسان يُعرَض له شريط ذكرياته خلال فترة حياته كلّها، ثم يرى نفقاً في نهايته ضوءٌ أبيض، وقد اعتمد الذين أجروا هذه الدّراسة على آراء العديد من الأطبّاء النَفسيّين والجرّاحين الذين كان لهم اطّلاعٌ على مراحل الموت عند الإنسان وعاينوها حقيقةً، والاعتماد على شهاداتٍ لعدد من المرضى الذين اعتقد النّاس أنّهم ماتوا لساعات أو ربما لدقائقَ؛ حيث دخلوا في مرحلة شبيهةٍ بمرحلة الموت ثم عادوا بقدر الله وإرادته ليُخبروا بما حصل معهم أثناء تلك الفترة، وإن كانت شهادتهم غير دقيقة، إلا أنّها تُمثّل حالةً تُصيب الميت لفترةٍ ولو جُزئيّة. كما اعتمد أصحاب الدّراسة أيضاً في إجراء دراستهم على التّشخيص العلميّ الدّقيق للمُتوفّى عند مُغادرته للحياة وارتباط هذه المرحلة بين المراحل التدريجيّة لحالة فقدان الوعي ووصوله إلى مرحلة عدم الإدراك، حيث إنّ ذاكرة الميت تحتفظ بالصّور الأخيرة التي تمرّ من خلال الذّاكرة.[٢٠]
كما أظهرت الدّراسة أنّ الخوف من الموت وتوابعه ورهبته تترك أثراً على التّفكير عند الإنسان مهما بلغ عمره أو عمله، وأنَّ الموت يبدأ طبيّاً بتوقُّف القلب عن أداء مَهامّه وليس بتلف الدّماغ؛ حيث يوجد فرقٌ بين الغيبوبة الطّويلة التي هي عبارةٌ عن تلف الدّماغ الجزئيّ، والتي يُرافقها احتفاظ الذّاكرة في الصّور الأخيرة التي شاهدها المُحتضِر، ويمكن أن تمتدّ الغيبوبة إلى عدّة سنوات. أمّا موت الدّماغ فإنّه يستغرق عشرين دقيقةً فقط حتّى يصل الإنسان إلى الموت النهائيّ؛ ولا يستطيع الجسم الصّمود إلا عشرة أيامٍ كحدّ أقصى في هذه المرحلة.[٢٠]
وتكون اللّحظات التي تمرّ بالإنسان حال موته سريعةٌ لا رجوع فيها إلى الحياة، وذلك عندما يموت القلب بشكلٍ كامل، وتبدأ أعضاء الجسم الأُخرى بالتّلف والتوقّف عن العمل نتيجة عدم وصول الأكسجين إليها من القلب الذي يُضَخّ مع الدم، ويبدأ الدّماغ وقتها بالتَحَلُّل، ومن ثمّ تتحلّل الأعضاء وتموت واحدةً تلو الأخرى، وحينها يكون الإنسان قد مات حقيقةً.[٢٠]
المراجعالمقالات المتعلقة بما هي أعراض سكرات الموت