محتويات
علامات الساعة
إنَّ من الأمور الغيبية التي لا يُمكن لأحدٍ من الناس الاطلاع عليها هو موعد قيام الساعة بشكلٍ مُحدّد؛ حيث جَعل الله موعدَ قيام الساعة مجهولاً حتّى لا يركن الناس للرّاحة فيؤجّلون التوبة حتى يقترب موعد قيام الساعة، ولأنّ إخفاء موعد قيام الساعة أدعى لأن يَنشغل عباد الله بالطاعات، فيُعدُّون له من أبواب الطاعات والقربات ما كان بوسعهم فعله، وحتى يقع العاصي في شرِّ أعماله إذا ما حدث أمر الله بقيام الساعة وهو ما يزال على معصيته، فقد خبّأ الله وقت قيام الساعة لحِكمةٍ عنده، وما ذُكِر سالفاً هو أمرٌ استدلَّ إليه بعض أهل العلم بطريق الاجتهاد، فربّما يَكون ذلك حقّاً مراد الله من ذلك، أو أنّ الله سبحانه وتعالى له حِكمةٌ في إخفاء موعد قيام الساعة لا يعلمها إلا هو.
حذّر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من الساعة بأن ذَكَر لهم بعض العلامات التي تدلُّ على اقتراب وقوعها ليَنتهوا عن المعاصي ويتوجّهوا بأجسادهم وأرواحهم إلى الله سبحانه وتعالى ويَخشَون عذابه وغضبه في ذلك اليوم الذي لا يَعلم أحدٌ ما يَنتظره فيه. تنقسم العلامات التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علامات صغرى وعلامات كبرى؛ فعَلامات الساعة الصغرى هي تمهيدٌ للعلامات الكبرى وقد حصل شيءٌ منها حقاً وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة، فإذا بدأت علامات الساعة الكبرى بالظهور فإن ذلك يُعدّ إشارةً واضحةً إلى أنّ الساعة لم يبقَ إلا أن تقع، وإنّ ذلك أضحى شيئاً حتميَّ الحدوث لا مَحالة.
علامات السّاعة الكُبرى
عندما تأتي علامات السّاعة الكبرى، فإنها تأتي وفق ترتيبٍ منظم، وذلك وفق ما قدَّره الله - سبحانه وتعالى وقضاه في اللوح المحفوظ، وقد ثَبت توقيتُ ظهور تلك العلامات تِباعاً في العديد من الأحاديث التي نُقلت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - بسندٍ صحيح، ومن ذلك استمدَّ العُلماء تَرتيب وقوع تلك العلامات مَنطقيّاً، فقال بعض العلماء: إنّ أوَّل علامات السّاعة الكبرى ظهوراً أن يَخرج المسيح الدجّال فيفشو الظلم بين الخلائق ويعظُم الدجال حتى يُصدِّقه جميع من يلتقي به إلا المؤمن، وبعد ذلك ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السّلام فيقتل الدَّجال ويُعيد الأمن والعدل في الأرض، ثمّ يَخرج يأجوج ومأجوج بعد نقض السُّور الذي كان يحجبهم عن الناس فيُبيدون الأحياء، وينشرون الفساد في الأرض، ثمّ تَخرج دابّة من الأرض تُكلِّم النّاس وتَهديهم إلى طريق الحق بعد أن يفشو الكفر والفسق، وآخر علامات الساعة ظهوراً على رأي أصحاب هذا القول هو طلوع الشّمس من مَغرِبها، وقيل: بل إنّ أوّل علامات السّاعة من حيث الظهور هو ظهور الدُّخان، ثُمَّ يعقبه خُرُوجُ المسيح الدَّجَّال، ثمَّ ظهور عيسَى ابن مريم يَعقبه خروج يأجوج ومأجوج، ثم الدابَّة، وآخراً طُلوع الشَّمس من مغربها فإن طلعت الشمس من مَغربها قامت الساعة.[١]
ظهور المسيح الدجّال
يُعدّ ظُهور المسيح الدَّجال من علامات الساعة الكبرى، وذلك لما يَعقب ظهوره من الفِتَن وانتشار الفساد وفُشوِّ المال وكثرته، وقد أيَّد الله - سبحانه وتعالى- المسيح الدّجال بمجموعةٍ من الأمور التي تزيد من إفساده بين الناس، وتُعمِّق من معنى الفتنة في تلك الفترة، وذلك ليَختبر الناس المسلم منهم من غير المسلم، من صلُح إيمانه ممّن كان إيمانه ادِّعاءً، ومن الأحاديث التي تذكر الدّجال وفتنته:
نزول عيسى عليه السّلام
بعد ظُهور المَسيح الدجّال ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام فينشر العدل ويقتل الدجّال، ويكون ظهور عيسى من حيث ترتيب علامات السّاعة الكبرى الثانية ظهوراً، وقد ثبت في السُّنة النبويّة ذلك، ويتَّبع عيسى عليه السلام دين الإسلام بزعامة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ويدعو المسيحيين للإيمان بسيدنا محمد، ويبيّن أنّ دينه هو الدين الحق، ويكسر الصَّليب وينشُر العدل، وقد ورد بيان ذلك في العديد من الأحاديث الصحيحة منها:
يأجوجَ ومأجوجَ
سُمِّي قوم يأجوج ومأجوج بذلك نسبةً إلى أجيج النّار،[٦] وقيل: بل سُموا بذلك لكثرة عددهم، وهم من ولد يافِث بن نوح عليه السلام.[٧]
قوم يأجوج ومأجوج هم قومٌ أولي بأسٍ شديد، ظهروا في فترة ظهور ذي القرنين عليه السلام؛ حيث جاء ذكر قصّتهم في سورة الكهف، وكان من شأنهم أنَّ أحداً لم يقدر عليهم، حتى جاء ذو القرنين وأنشأ سدّاً مصنوعاً من المعادن المصهورة فصبّه عليهم، وكان من قَدَر الله أن أعجزهم عن القدرة على نقب ذلك السور حتى يأذن لهم بذلك، قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا* قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)،[٨] فإذا جاء قَدَرُ الله استطاعوا فتح ذلك السَّد وخرجوا منه ليفسدوا في الأرض، ويُعدُ خروجهم من سدِّهم من علامات اقتراب السّاعة،[٩] قال الله عزّ وجلّ: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ*وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).[١٠]
الدُّخان
من أهمّ علامات السّاعة الكبرى وآخرها ظهوراً أن يخرج دخان يغمر الأرض؛ بسبب كثرة المعاصي وترك الحقّ، فيأخذ ذلك الدُّخان بالمؤمنين كالزّكمة بلا خوف ولا عناء، ويأخذ الكافر فينتفخ حتّى يخرج الدُّخان من كلّ مسمَع منه،[١١] قال تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).[١٢]
عن حُذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (فإنَّها لا تكونُ حتَّى يكونَ بيْنَ يدَيْها عَشْرُ آياتٍ: طلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، والدَّجَّالُ، والدُّخَانُ، وعيسى بنُ مَريمَ، والدَّابَّةُ، وخُروجُ يأجوجَ ومأجوجَ، وخَسْفٌ بالمَشرِقِ، وخَسْفٌ بالمَغرِبِ، وخَسْفٌ بجزيرةِ العرَبِ، ونارٌ تخرُجُ مِن موضعِ كذا). قال: أحسَبُه؟ قال: (تَقيلُ معهم حيثُ قالوا، وتنزِلُ معهم حيثُ ينزِلونَ).[١٣]
الدابّة
بعد ظهور ما سبق من علامات السّاعة الكبرى، تخرج دابةٌ من الأرض تُكلِّم الناس، ويكون ذلك من آخر علامات الساعة ظهوراً قبل شروق الشّمس من مَغرِبها مباشرةً، قال تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)،[١٤] وفي روايةٍ إنَّ ظهور الدابّة يكون بعد شروق الشّمس من مَغربها لا قبلها، لما جاء عن ابن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمِعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (إنَّ أوَّلَ الآياتِ خروجاً طلوعُ الشمسِ من مغربِها، وخروجُ الدابَّةِ على النّاسِ ضُحىً، وأيُّهما ما كانت قبل صاحِبتِها فالأخرى على أثرِها قريبًا)؛[١٥] والحاصل من ذلك أنّ ظهور الدابّة لا يكون إلا عندما ينتشر الفساد والفسوق والكفر، ويَشيع بين النّاس، فتخرج الدّابة لتُري الناس طريق الحق، أمّا مكان خروجها فقيل إنّه مكّة المكرمة.[١٦]
اختلف العُلماء في وصف الدابّة فقال جماعةٌ: هي مثل الحربة الضّخمة، ويقول عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه: (إنها دابّةٌ لها ريشٌ وزغبٌ وحافرٌ، وليس لها ذَنَبٌ، ولها لِحْيَة)، وقيل في وصفها: إنّ لها رأساً كرأس الثّور، وعيناً كعين الخنزير، وأذناً كأذن الفيل، وقرناً كقرن الإبل، وعنقاً كعنق النَّعام، وصدراً كصدرِ الأسد، وإنّ لونها يُشبه لون النّمر، أمّا وظيفتها فكما سبق بيانه أن تُظهر الحقّ من الباطل، والمؤمن من الكافر، وتكون معها عصا موسى، وخاتم سليمان.[١٦]
طلوع الشّمس من مغربها
إذا طلُعت الشمس من مغربها فتلك إشارةٌ إلى وقوع الساعة حقيقةً، وحينها لا تنفع التائب توبةً، ولا ينفع النادم ندم،[١٧] قال الله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ).[١٨]
جاء بَيان كيفيّة طلوع الشّمس من المغرب فيما يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُروجًا طُلوعُ الشَّمسِ من مغربِها، وخروجُ الدَّابَّةِ ضُحىً، فأيَّتُهُما ما كَانَت قبلَ صاحبتِها فالأُخرى على إثرِها، ثمَّ قالَ عبدُ اللَّهِ وَكانَ يقرأُ الكتُبَ: وأظنُّ أولاها خروجاً طلوعَ الشَّمسِ من مَغربِها؛ وذلِكَ أنَّها كلَّما غرَبت أتَت تحتَ العَرشِ فسجَدت واستأذَنَت في الرُّجوعِ، فأُذِنَ لَها في الرُّجوعِ، حتَّى إذا بَدا للَّهِ أن تطلُعَ من مغربِها فعَلَت كما كانَت تفعلُ، أتَت تحتَ العرشِ فسَجدَت فاستأذنت في الرُّجوعِ، فلم يُرَدَّ عليها شيءٌ، ثمَّ تَستأذنُ في الرُّجوعِ فلا يُرَدُّ عليها شيءٌ، ثمَّ تستأذنُ فلا يُرَدُّ علَيها شيءٌ، حتَّى إذا ذَهَبَ مِنَ اللَّيلِ ما شاءَ اللَّهُ أن يَذهبَ، وعَرفت أنَّهُ إن أُذِنَ لَها في الرُّجوعِ لم تدرِكِ المشرقَ قالَت: ربِّ ما أبعدَ المشرِقَ، من لي بالنَّاسِ حتَّى إذا صارَ الأفُقُ كأنَّهُ طوقٌ استأذنَت في الرُّجوعِ، فيقالُ لَها: من مَكانِكِ فاطلُعي، فطلَعَت على النَّاسِ من مَغربِها...).[١٩]
المراجع
المقالات المتعلقة بتقرير عن علامات الساعة الكبرى