تُعدّ المعاصي والذّنوب من أدران النّفس وآفاتها، وأوّل معصيةٍ كانت على الإطلاق هي معصية إبليسَ لعنه الله، عندما أمره الله سبحانه وتعالى بالسّجود لآدمَ الذي خلقه بيديه من ترابٍ، فتكبَّر إبليس ورفض أمر الله عزَّ وجلّ، فاستحقّ مقابل تلك المعصية اللّعنةَ والطّرد من الجنّة بعد أن كان من مُقرّبي الجنّ، قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ*إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ*قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ*قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ*قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ*وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ)،[١] فكانت أوّل معصيةٍ يُعصى بها الله سبحانه وتعالى عائدةً إلى الكِبر.
عندما طُرِد إبليس من الجنّة، وأصبح معلوناً مُبعَداً من رحمة الله، في حين أصبح آدم مُقرَّباً من أهل الجنّة، يتنعّم بنعيمها هو وزوجُه، حينها نظر إليهم إبليس نظرة الحقد والحسد والحنَق، وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يُبقيَه حيّاً إلى يوم الدّين، وكان له ما طلب، قال تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ*قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)،[٢]
منذُ ذلك الوقت وحتّى يومنا هذا وإلى يوم القيامة وإبليس يحاول إغواء عباد الله؛ حتّى يبتعدوا عن طريق الله عزّ وجلّ، ويصلوا إلى ما وصل إليه من الطّرد واللعن، وقد ابتدأ بآدم عليه الصّلاة والسّلام؛ حيث أغواه ليعصيَ الله بما أمره أن ينتهيَ عنه، وهو الأكل من الشّجرة، وأوهمه هو وزوجه حوّاء أنّ في أكلهما من تلك الشّجرة خلدَهما وبقاءَهما، حتّى أكلا منها، فعاقبهما الله بأن أنزلهما من الجنّة إلى الأرض، ومن فضل الله على عباده أن شرع لمن يعصيه ثمَّ يندم على ذلك أفعالاً تُكفِّر عن تلك المعاصي، وهيّأ كذلك أسباباً تُبعد المسلم عن المعاصي وإطاعة إبليس،
كيفيّة الابتعاد عن المعاصي والآثامإذا أراد المسلم الكفَّ عن معصيةٍ دام عليها طويلاً، وعزم على ذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى سيوفّقه لذلك إن كانت نِيّته خالصةً لوجه الله، وكذلك من أراد الابتعاد عن المعاصي قبل الخوض فيها، فإنّ ذلك من خير الأعمال وأفضلها، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)،[٣] ومن يسعى لذلك ويقصده فلن يجدَه سهلاً يسيراً، بل هو من أصعب ما يمرُّ على العبد؛ لأنّه يحارب شهواتِ نفسه وملذّاتِ الدّنيا، في حين يسعى الشّيطان لإغوائِه بشتّى الوسائل والطُّرق، وحتّى يصبر على ذلك فلا بدّ له من الاستعانة ببعض الأمور، ومنها:[٤]
إذا أذنب العبد، ثمّ ندم على معصيته، وعزم على ألّا يرجع إليها، فإنّه يكون بذلك تائباً عنها، فإن كان صادقاً قُبِلت توبتُه، وقد وضع العلماء عدداً من الشروط التي يجب توفّرها في التوبة الصّادقة، معتمدين في ذلك على النّصوص الصّحيحة، ومن تلك الشّروط ما يأتي:[١٠]
وللتّوبة من الذّنوب إن كانت بين العبد وربّه عزَّ وجلّ خمسة شروطٍ، هي:[١١]
إن فُقد أحد تلك الشّروط التي ذُكِرت فإنّ التوبة لم تصحّ، ولم تُقبَل، أمّا إن كان للذّنب بحقّ أحد البشر فيُشترَط بالإضافة إلى ما ذُكر أن يعيد المُذنب الحقّ إلى صاحبه، أو يبرأ منه بالمسامحة إن كان حقّاً معنويّاً، والتوبة النّصوح تستوجب ثلاثة أمور، هي: التوبة من الذنوب والمعاصي جميعها التي ارتكبها في حياته دون استثناء شيءٍ منها، والعزم على التوبة صادقاً، وأن تكون التوبة خالصةً لله جلّ وعلا،[١١] حيث قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[١٢]
المراجعالمقالات المتعلقة بكيف أبتعد عن المعاصي