آدم عليه السلام هو أبو البشرية جميعاً، هو أول إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى، خلقه من طين الأرض في السماء، خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وبعدها أمر الله سبحانه الملائكة أن يسجدوا له، فسجدوا جميعاً إلا إبليس. وكان امتناع ابليس عن السجود لأبينا آدم عليه السلام هو الحسد والتكبر على أمر الله، فقد ظنَّ بأنه أفضل من آدم عليه السلام لأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين، فطرده الله سبحانه وتعالى ولكنه طلب من الله أن يُنظِره إلى يوم القيامة؛ فأنظره ولكن إبليس استغل هذه الفرصة ليقوم بإغواء بني آدم، وهذا كله مذكور في كتاب الله العزيز في قوله تعالى (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴿ 71 ﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿ 72 ﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿ 73 ﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿ 74 ﴾ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴿ 75 ﴾ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴿ 76 ﴾ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿ 77 ﴾ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ ﴿ 78 ﴾ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿ 79 ﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴿ 80 ﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿ 81 ﴾ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿ 82 ﴾.
وبعد هذه الحادثة؛ أسكَن الله سبحانه وتعالى آدم وزجه حواء الجنة، وجعل كل ما فيها مُباحاً لهما إلا شجرة عيَّنها الله عزَّوجلَّ لهما؛ ومنعهما من أن يأكُلا منها لحِكمةٍ لا يعلما إلا الله. ولكن أمنا حواء – وحسب الروايات التي وصلتنا – تحتدَّثت مع آدم عليه السلام عن هذه الشجرة بإغراء من إبليس، حيث أنه قال لهما أن الله منعهما عنها حتى لا يُصبِحا ملكين أو مُخلَّدين، فأكل آدم وحواء من الشجرة التي منعهما عنها الله سبحانه وتعالى، فأخرجهما الله من جنته ونزلا إلى الأرض عِقاباً لهما على ما اقترفا. قال عزَّ وجلَّ في مُحكمِ تنزيله (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ). فكانت الشهوة هي أول ذنبٍ أذنبه آدم عليه السلام، كانت شهوة الخلود، وهي ما استوجب عِقاب الله وإنزاله إلى الأرض ليعمرها؛ وتبدأ الحرب الأزلية بين الإنسان والشيطان.
إن الشهوة ليست مقصورة على الخلود، ولكن كل ما يزيد عن الحد المعقول في طلبه؛ يرتقي في تصريف معناه إلى الشهوة، والشهوة طريق خصب للفساد، فمن يحب المال بشكلٍ زائد عن الحد الطبيعي؛ سيلجأ إلى كل الوسائل للحصول على المزيد منه ولا يتهم بمشروعية هذه الطرق، فيمكن أن يقتل أو يسرق أو يتاجرر بالمخدرات. من يحب الجنس أكثر من الحد المعقول؛ سيلجأ إلى الوسائل المحرمة من الذهاب إلى البيوت المشبوهة أو الحصول على خليلات دون عقدٍ شرعي، وإلى غير ذلك من الأمثلة التي تدل على الشهوة. والشهوة إحدى الخطايا السبع المذكورة في الإنجيل في الديانة المسيحية، فالأديان تحذِّر من هذه الغريزة البشرية التي تزيد حدِّها فتحرف معها الإنسان إلى درجات لا يمكن أن يصلها. كما حدث مع آدم عليه السلام، فلولا أن أكل من الشجرة التي نهاه الله سبحانه وتعالى عنها؛ لكان ما يزال يعيش في الجنة وذرِّيته من بعده، ولكنه عصى ربه بسبب شهوته فعاقبه الله على فعلته.
الإنسان العاقل هو من يتحكم في شهوته، ويترفَّع بنفسه عن كل ما يمكن أن يحطَّ من قدرها، قال أحد السلف (خُلِقت الملائكة من عقلٍ بلا شهوة، وخُلِقت الحيوانات من شهوة بلا عقل، وخُلِق الإنسان من شهوة وعقل، فمن غلب عقله على شهوته ارتفع فوق مرتبة الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله انحطَّ تحت مرتبة الحيوانات). العقل هو الميزان الذي يجب أن توزن به جميع أمورنا اليومية، فلو حكَّمنا الشهوة لحيينا في عالمٍ فاسد لا أمل من إصلاحه، ولأكل القوي الضعيف وضاعت الحقوق.
المقالات المتعلقة بما أول ذنب وقع فيه ادم