علم الرِّيَاضِيَّاتِ مِنْ أَقْدَمِ العُلُومِ الَّتِي عَرَفِهَا الإِنْسَانُ، وَكَانَتْ تعْرفُ بِعِلْمِ الحِسَابِ، وَقَدْ تَكَرّر فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ لَفْظَا العَدَدِ وَالحِسَابِ فِي إِشَارَةً وَاضِحَة إِلَى أَهَمِّيَّةِ عِلْمِ العَدَدِ وَالحِسَاب، قَالَ تَعَالَى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ "[ سُورَةُ يُونُسَ: الآيَة ٥ ].
نَجد فِي آيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ العَظِيمَةِ ذِكْرُ أُصُول كُلَّ الأَرْقَامِ (الأَرْقَامُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَشَرَةً)، كَمَا أَنَّهُ تعالى ذَكَرَ الأَعْدَادَ المُرَكَّبَة كَأَحَدِ عَشْرٍ...، وَذَكَرَ أَلْفَاظَ العُقُودِ كَأَرْبَعينَ، وَسَبْعينَ....، وَذكِرَ المِئَاتُ وَالأُلُوفُ، كَمَا أَنْ القُرْآن الكَرِيمَ ذكر الكُسُور العشريّة فِي آيَاتِه كُنصفٍّ وَرُبْعٍ، وَقَدْ أَخْذ العُلَمَاءُ المُسْلِمُونَ علمَ الرِّيَاضِيَّاتِ عَنْ سَابْقِيهمْ مِنْ اليُونَانِ والرومان، وَأَضَافُوا لِهَذَا العِلْمِ نِصْف مَا نَعْرِفُهُ اليَوْمَ مِنْ عِلْمِ الرِّيَاضِيَّاتِ الحَدِيثِ، وَقَدْ اِشْتَهَرت في هَذَا العِلْم العَدِيد مِنْ الأَسْمَاءِ؛ كالخوارزمي صَاحَبَ كِتَاب الجَبْرِ وَالمُقَابَلَةِ الَّذِي مَا زَالَ يدرس حَتَّى اليَوْمِ فِي جَمِيعِ مَدَارِسَ وَجَامِعَاتِ العَالَمِ، وَقَدْ أَخَذَ الأُورُوبِّيُّونَ هَذَا العِلْمَ، وَحَافظوا عَلَى نَفْسِ المُسَمَّى العَرَبِيِّ (algebra).
عِلْمُ الحِسَابِ يُبْنَى عَلَى أَرْبَعِ عَمَلِيَّاتٍ أَسَاسِيَّةٍ هِيَ الجَمْعُ وَالضَّرْبُ وَالقَسَمَةُ وَالطَّرْح.
أَنْ يَكُونَ المقسوم عَلَيْهِ عَدَدًا مُكَوَّنًا مَن مَنْزِلَة وَاحِدَة، والمقسوم مُكَوَّن مِنْ مَنْزِلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ؛ عِنْدَئِذٍ نَبْدَأُ بِالتَّجْرِيبِ فَنَأْخُذُ آخَرَ عَدَدٍ مِنْ اليَمِينِ إِذَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ المقسوم عَلَيْهِ نُوجدُ رقماً؛ بِحَيْثُ يَكُونُ حَاصِلُ ضَرْبِهِ بالمقسوم عَلَيْهِ مُسَاوِيًا لِلعَدَدِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَيُوضَعُ هَذَا العَدَدَ فِي أَعْلَى إِشَارَة القَسَمَة وَنَاتِجُ ضَرْبُهُ بالمقسوم يُوضَعُ أَسْلف المقسوم ثُمَّ نَطْرَح.
نَأْخُذُ نَاتِجَ الطَّرْحِ إِذَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ المقسوم عَلَيْهِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، وَنَجد الرَّقْم الَّذِي لَوْ ضَرَبَ فِي المقسوم عَلَيْهِ كَانَ النَّاتِجُ مُسَاوِيًا للمقسوم عَلَيْهِ أَوْ أَصْغَر مِنْهُ، ونَضَعُ هَذَا العَدَد بِجِوَارِ العَدَدِ السَّابِقِ أَعْلَى إِشَارَة القَسَمَة المُطَوَّلَة وَحَاصِلَ ضَرْبِهِ فِي المقسوم عَلَيْهِ نَضَعُهُ تَحْتَ نَاتِجِ الطَّرْحِ الأَوَّلِ، وَنُكَرِّرُ عَمَلِيَّةَ الطَّرْحِ، وَتَتَوَقَّفُ عَمَلِيَّةُ القَسَمَةِ بِإِحْدَى حَالَتَيْنِ هما: أَنْ تَنتِهي الأَرْقَامُ المقسومة، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي أَيِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ القَسَمَةِ نَاتِجُ الطَّرْحِ أَصْغَر مِنْ المقسوم عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يُسَمّى هَذَا النَّاتِجُ بَاقِي القَسَمَة، وَالعَدَد أَعْلَى إِشَارَة القَسَمَة يُسَمِّى خَارِجَ القَسَمَةِ.
عِنْدَ بِدَايَةِ القَسَمَةِ إِذَا كَانَ العَدَدُ يَمِين المقسوم أَصْغَر مِنْ المقسوم عَلَيْهِ نَأْخُذُ المَنْزَلَتَيْنِ مَعًا، وَنَبْدَأُ فِي تَحْدِيدِ الرَّقْمِ الَّذِي لَوْ ضَرَبَ فِي المقسوم عَلَيْهِ كَانَ النَّاتِجُ مُسَاوِيًا للمقسوم أَوْ أَصْغَر مِنْهُ. إِذَا كَانَ المقسوم والمقسوم عَلَيْهِ مُكَوَّن مِنْ مَنْزِلَتَيْنِ؛ هُنَا نَأْخُذُ مَنْزِلَتِي المقسوم عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةٌ وَنَبْدَأُ بِمُحَاوَلَةٍ إيجاد العَدَد الَّذِي لَوْ ضَرَبَ بالمقسوم عَلَيْهِ يَكُونُ مُسَاوِيًا للمقسوم أَوْ أَصْغَر مِنْهُ، وَنطْرَح وَالبَاقِي قَدْ يكونُ صَفَرًا أَوْ عَدَدًا آخَرَ، وَتُكَرِّرُ نَفْسَ الخُطُوَاتِ السَّابِقَةِ مَعَ أَيِّ عَدَدَيْنِ مَهْمَا اِخْتَلَفَ عَدَدُ المَنَازِلِ.