مفهوم الرغبة يُعتبر مفهوم الرّغبة من أساسيّات الفلسفةِ المعاصرة والحديثة؛ حيث تتّحدد الرغبة بسيرورة الحياة التي تجرّ الأفراد خارج نطاق النفس أو الإرادة، والرغبة هي الحاجة إلى التملّك أو الصورة التي يريد بها الفرد أن يكون، لكنّه لم يكن قد وصلها بعد. بشكلٍ عام تُعتبر الرغبة مشكلةً بحد ذاتها في الفلسفةِ الكلاسيكيّة، بسبب طبيعتها المتناقضة، والرغبة دوماً تبحث عن مصدرٍ للإشباع؛ بحيث يُصاحبها الإحساس بالحرمان والفقد والعناء.
تصوّرات سبينوزا ومفهوم الرغبة باروخ سبينوزا وهو فيلسوفٌ هولندي من أهمّ فلاسفة القرن السابع عشر للميلاد، كان له عددٌ من التصوّرات المهمّة في مفهوم الرغبة؛ حيث رأى تطابقاً بين الشهوةِ ومفهوم الرغبة على اعتبار أنّ هذا الأمر هو ماهية الإنسان، وسبب جميع اندفاعاته ومجهوداته وأفعاله الإراديّة، وهذه الرغبة تتغيّر بتغيّر العمر وتقدمه، ويعتبر سبينوزا بأنّ الرغبة هي شهوةٌ واعيةٌ بذاتها، ومن تصوّراته بهذا الخصوص ما يلي:
- الرغبة ليست ظاهرة عرضيّة، وإنما هي جوهر الإنسان؛ حيث تعبر عن النقص والقصور الذي يصبو الإنسان إلى تحقيقه، بحيث تكون الغاية من الوجود ومصدر حيويته.
- لا فرق بين الرّغبة والشهوة غير أنّ الرغبة تتعلّق بشكلٍ عام بالإنسان من حيث وعيه لتلك الشهوات على الرغم من عدم وجود حدٍ يفصل بين رغبة الإنسان وشهوته؛ لأنّ شهوة الإنسان تبقى كما هي، ويمكن التمييز بين الرغبة والشهوة بنقطتين هما:
- الشهوة ذات طابعٍ غريزيٍ حيواني، لأنه لا يصاحبها الوعي.
- الرغبة هي عبارة عن شهوةٍ واعية، ولهذا هي تتعلّق بالإنسان بشكلٍ عام من جهة وعيه برغباته وشهواته؛ فهي عنده مصحوبة بحكمٍ وتصوّر – تحت سيطرة العقل – ومن هنا فالرغبة مصحوبة بالوعي العقلي، وقد قال مان دي بيران في هذا الصدد: " إنّ اشتهاء الحيوان ما لم يعلم حاجة، أمّا ميل الإنسان لما يعلم فهو رغبة " وقال أيضاً: " إنّ الحيوان كائن الحاجة، والإنسان كائن الرغبة ".
- المعنى العام للحاجة هي نوعٌ من الإحساس الذي يعبّر عن اختلال في التوازن العضوي في العلاقة مع المحيط؛ بحيث إنّ هذه العضويّة لا تستطيع استعادة توازنها إلّا بعد تلبية هذه الحاجة وإلا أدّى هذا الأمر لهلاكها، كالحاجة للماء والطعام فهذه الحاجة تُعتبر ضرورةً ملحّة.
- يرتبط مفهوم الرّغبة بشكلٍ وثيق بالجهد أو ما يُطلق عليه (الكوناتوس)، من جانب أنه القوّة المشتركة التي تربط جميع الموجودات الطبيعيّة التي يسعى الإنسان لبقائها واستمراريّة تحقيقها، وتتّحدد رغبة الفرد بجميع اندفاعاته ومساعيه وشهواته وإرادته كنوعٍ من الجهد الذي يبذله في سعيه للاستمرار والحفاظ على وجوده.
- إذا كان الجهد المبذول يتعلّق بالنفس وحدها؛ في هذه الحالة يُطلق على هذا الجهد إرادة.
- إذا كان الجهد المبذول متعلقاً بالجسد والنفس معاً فهو في هذه الحالة يسمى شهوة.