تُعدّ الحرية من أولى المَطالب الإنسانيّة التي لازمت تاريخَ البشريّة في مُختلفِ العصور؛ فهي من السّمات الإنسانية التي لا غنىً عنها؛ فبها يُحقّق الشخص ما يريد دون أن يُكون مقيّداً أو مُجبراً، ولأهمّيتها تغنّى بها الشّعراء، وألّف بها الأدباء، وضحّى من أجلها بشرٌ كثرٌ. يولدُ الإنسانُ حرّاً بعيداً عن أيّ قيود تمنعه من التنّعم بحياةٍ كريمة؛ إذ أكرمه الله بالعقل وبفطرةٍ سليمة تقوده للحقّ، ولإدراك قيمة الحريّة وأهميّتها في حياته، وأثرها على المُجتمعات والشّعوب، فما هي الحريّة؟ وما هي أهميتها؟
مفهوم الحريّةيَختلفُ تعريفُ الحُريّة باختلاف الكثير من المعايير كالزّمان والمكان مثلاً، ولأجل ذلك توجدُ العديد من التّعاريف التي وُضعت لوصفها، فقد وَصفَ إعلان حقوقِ الإنسان الصادر عام 1789م الحريّة بأنّها: (حقُّ الفرد في أن يفعل كلّ ما لا يضرُّ بالآخرين)،[١] وكلمة الحريّة تعني أن يَستطيعَ الإنسانُ اتّخاذ القرار بنفسه وبإرادته سواءً كان القرار يمسّ الجانب الماديّ أو المعنويّ، بلا إجبارٍ من أيّ طرفٍ آخر.[٢]
فيما يخصّ الحريّة كمفهوم فهيَ أن يَتمتّع الفردُ بإطارٍ شاملٍ يُنظّم الحريّة الشخصية ويحمي كذلك حريّات الآخرين، أي إنّ لكلِّ فردٍ حريّة خاصّة به ما دام مُلتزماً بحدودها وغيرَ مُتعدٍّ على حريّة غيره، إذ تنتهي حريّته عند ابتداءِ حرّية الآخرين، وعلى الإنسان أن يعي أنّه يعيشَ على هذا العالم بالتّشارك مع كثيرٍ من الناس، ولكلٍّ منهم حقٌّ في الحرية مثله، وقد كفلت جميع الأديان والأنظمة والقوانين هذا الحقّ وحثّت عليه.[٢]
تَحدّث أحمد لطفي السّيد -هو مفكِّر مصريّ- عن الحريّة، فقال: (الحرية غرضُ الإنسان في الحياة، كانت ولا تزال هواهُ الذي طالما قدَّم له القرابين، وأنفق فى سبيله أعز شيء عليه، ولئن وصفنا ما وصفنا من شوق الإنسان إلى الحرية، فلا نبلغ من إثباته ما بلغته الحوادث الحِسّية التي تقع من الأفراد والأمم، دالّة على أنّ الحُريّة هي الحياة، بل أعزُّ من الحياة)[٣]
أهمية الحريّةللحريّة أهمية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن هذه الأهميّة:
تُعدّ الحريّة في الإسلامِ من الضّرورات الإنسانية، كما أنّها فرضٌ إلهيّ وتكليفٌ شرعيّ؛ إذ إنّها لا تعدّ مجرّد حقٍّ يمكنُ للفرد التنازل عنه حين يريد؛ إذ عدّ الإسلام الرِقّ والعبودية كأنه الموت، وعدّ الحريّة هي الحياة، وقد جعلَ الإسلامُ في تشريعه عتقُ الرّقبة أي إحيائها كفّارة لجريمة القتل الخطأ[٩]، حيثُ قال تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)[١٠]
أرسى الإسلام مبادئ الحريّة حتّى في اختيار الإنسان لدينه، فقد قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)؛[١١] إذ منحَ الله الإنسانَ الحريّة في تقرير دينه وفي أمور عقيدته وإيمانه، وحمّله مسؤولية حريّة اختياره، فأقام بذلك الحجّة عليه ومنحه عدله التّام، فقد قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[١٢] كما قال: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)[١٣]
تَمثّلت الحُريّة في الإسلام في كثيرٍ من المواقف، ومنها ما حصلَ مع الصحابيّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- حين كان والياً على مصرَ في عهد خلافة عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، حيثُ اشتركَ ابن عمرو بن العاص في سباقٍ للخيول مع غلامٍ من أقباط مصر، فضرب ابن عمرو الغلام القبطيّ لعلمه أنّ القبطيّ لا يمكنه أن يَنتقم منه وهو في سند أبيه وسلطانه، فسافر والد الغلام القبطيّ بصحبة ابنه للمَدينة المنوّرة شاكياً ما حصل لأمير المؤمنين، فكتبَ عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص وأمره بأن يحضر هو وابنه للمَدينة المنوّرة، فلمّا حضرا ناولَ أميرُ المؤمنين الغلام القبطي سوطاً وأمره بأخذ حقّه، فضربه حتّى اقتصّ منه وشفا ما في نفسه، فقال حينها عمر للقبطيّ: (لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسطلان أبيه)، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟).[١٤]
المراجعالمقالات المتعلقة بما هي أهمية الحرية