تحدُث العلاقات بين الناس من خلال تَواصُلهم واكتشاف التوافقات فيما بينهم، وتَظهرُ قُدُرات الأفراد في اختيار العلاقات السليمة وصناعتها من خلال إجادتهم لفُنون الحوار، والإتيكيت، والذكاء الاجتماعي؛ فالنَّاس لا يَعتمدونَ في صناعة التقارب وتكوين العلاقة على المَظهَر الخارجي والنظرة الأولى أو اللقاء المفاجئ؛ بل إنّ تَأثير هذه الشكليّات لا يدوم لأكثر من بِضع دقائق ليبدأ التمحيص والتدقيق والاختيار من خلال اللباقة في التّعامل والمُحادثة، واستِشراف ذوقيّات الحوار وأساليب العَرض والنقاش.[١]
معنى اللباقةيُراد باللباقة التحسين من التصرُّفات والأفعال والأقوال في التعاملات بين الناس واجتناب المُنكرات والفضاضة، فاللباقة في معاجم اللغة تعني تحرِّي الذوق والظرافة واستشراف الأخلاق الطيبة في الحِوار والعلاقات.[٢]
إنّ المعنى الاصطلاحي لمفهوم اللباقة يُعبّر عن قُدرة الفرد على امتلاكِ الأساسيّاتِ العامّةِ للتّعامل مع الآخرين بناءً على ما تَحصّل من مَعرفة الاتجاه الذهني لهم وانطِباعاتهم وردود أفعالهم حيال المَواقف المتوقّعة، وما يتضَمّن ذلك من انتقاء الألفاظ والتعبيرات والإيحاءات والإيماءات وحتّى النبرات الصوتية التي تبعث الرغبة والرّاحة في نفس المُحاور، وتُجنِّبه الإحساس بالضيق والاستفزاز والقلق، واللباقة سلوك مُتدرَّب يَتنامى بالتدريب والتّوجيه والتّوطين.[٣]
كيف تكون لبقاً في التحدُّث مع الآخريناهتمّت الثقافات [كيف تتحدث بلباقة|باللباقة]] بصورةٍ عامّة، غير أنّ أكثر الاهتمام فيها بَرزَ من خِلال التّعاملات المُؤسّسية والعلاقات بين الشركات والمُوظّفين كنوعٍ من التّرويج والسياسات الاستثمارية، وعلى الصعيد الذاتي والشخصي تبرز اللباقة كعاملٍ مُهم في بناء العلاقات وتكوين الصداقات، ولا تقتصر على أساليب التعامل وترك الانطباعات لأوّل مشاهدة، بل تتعدّاها في مَحاور كثيرة أهمّها الحديث، والتخاطب والحوار، حتَّى إنَّها تكون حاجة مُلحّة في غير ذلك من الأمور كالمُراسلات البريديّة، والإلكترونية، والتواصل الصوتي أو عبر الفيديو.[٤]
قواعد التحدّث بلباقةيَستطيع الفَرد استثمارَ قُدراته ومَهاراته في الحديث بشكلٍ جيّد من خلال اللباقة في أسلوبه وحواره، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال التدريب على اللباقة وتوطينها في لسان المرء وشخصيّته وسلوكه لتُصبح جزءاً اعتياديّاً من مكوّناته يتطبَّع فيه الفرد ويكتسبه دون تكلُّف ولا تصنّع، ويُمكن اكتساب هذه السّمة المميّزة وتوطينها في الذات عبر التدرُّب باتِّباع القواعد الآتية:[٥]
يبني المُستمع انطِباعاته الأولى حول الحَديث والمُتحدّث من خلال عدّة معايير يُسقطها على الحَديث خلال استماعهِ المُباشر والأوّلي، ويَرغَب المُستمع بتلقّي الحَديث في جوٍّ من الهُدوء والرّاحة دون ضجيج مُفزع أو شدة وتباين، ومن الأمور المَرغوبة في رسائل الكلام وصناعته أن يكون الصوت مُنضبطاً ومُعتدلاً، فتتساوى النّبرات وتَتناغم الكَلمات بلا ارتفاعٍ صاخبٍ ولا احتدادٍ مُقلق، فإذا أرادَ المُتحدّثُ أن يحمل المُستمعين على المُتابعة والاستمرار بتشوُّقٍ وانبهار فإنّه يَتعيّن عليه أن يَخلق من خلال صوته واسترسال حديثه جوّاً من الألفة والأمان السمعي، فإذا اتَّسم بالهُدوءِ المَرن والمُتَّزن فقد نالَ مَفاتيحَ النّجاح في بناء حديثه، وأبعد الريبة والقلق من نفوس المُستمعين واجتذب انتِباههم.[٦]
تَطرَّق عُلماء النفس من خلال ما أسموه "تكنيك الحديث" إلى مُواصفات الكلام الجيَّد والمَرغوب عند المُستمعين؛ إذ يُشيرُ علماء النفس إلى أنّ اشتداد صوت المتكلِّم وارتفاعه يَدلُّ على افتقار المتكلم على الحجّة والبرهان في مَضامين حديثه، كما أن الصوت الحاد دليلٌ على انعدام الثقة بالنفس، أمَّا الصوتُ الخافت المُنخفض فإنَّه يَدلُّ على خوف المُتكلم وافتقاره للثّقة بالنفس وضعف يقينه وقلة سيطرته، الأمر الذي يقود المُستمع إلى التوتّر والضجر والشعور بانعدام الراحة والرغبة في المتابعة، مما قد يؤدّي به إلى ترك الجلسة أو الحوار، أما إن كان مُضطراً للبقاء فإنه قد يفقد قدرته على الاتّزان في ظلّ تلك البيئة التي تدعو إلى النعاس. [٦]
يُبيّن عُلماء النفس أنّ الأشخاص الأكثر تأثيراً في حديثهم هم أولئكَ الذين يَمتلكون أصواتاً مُعتدلة ومُتَّزنة؛ إذ تُعبِّر هذه العلامات عن صفاتِ الهدوء، والثقة بالنفس، والتحكّم في العبارات، والقدرة على قيادة النبرات وتوضيحها، وامتلاك المرونة، والدقة في استخدام المعاني والطبقات الصوتية، ويُعتبر الأشخاص الذين يَمتلكون هذه السمات الصوتيّة أكثر قُدرةً على قِيادة مَشاعر الجَماهير، وتكوين روابط الألفة والطمأنينة، وتَحقيق الأهداف المُرادة من الحَديث من خلال إضفاء أجواء الإيجابيّة والتأثير أثناء حديثهم.[٦]
المراجعالمقالات المتعلقة بكيف تكون لبقاً في التحدث مع الآخرين