عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره ، وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها ( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح إسناده ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن ماجة ) . وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم وغيره ) .
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه . ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء . أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) . فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) . أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم . فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : [ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ] وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ . فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟
قال صلى الله عليه وسلم :[ ثلاثة لايكلمهم الله ولاينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : وذكر منهم : شيخ زان ] ( مسلم وأحمد والنسائي ) . فمن لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ، فمن ينظر في حاجته يوم القيامة ، فياله من موقف عصيب وشديد ، موقف وضع الزناة والزواني أنفسهم فيه بمحض إرادتهم ، فمن لم ينظر الله إليه فعاقبته وخيمة ، وخاتمته سيئة ، ومن لم ينظر الله إليه فأين مصيره وأين قراره ؟ هل هو في أعلى عليين ؟ أم في أسفل سافلين ؟ وهل يستوي هؤلاء العصاة مع من امتثل أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { أفمن يُلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } ( فصلت 40 ) . وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( يونس 26/27 ) . فالعاصي هو الأعمى يوم القيامة ، وأما المبصر السامع فهو الطائع المتقي ، الخائف الوجل ، فهذا يمشي بنور الله عزوجل في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة له الأمن من ربه سبحانه ، قال تعالى : { أوَمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ( الأنعام 122 ) . وقال تعالى : [ الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ( الأنعام 82 ) . وقال تعالى في شأن العُصاة العُمي يوم القيامة : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى } ( طه124/125/126 ) ، فهؤلاء نسوا الله ، نسوا أوامر الله عز وجل عصوا الله في الخلوة ما تذكروا الله في الرخاء ، فنسيهم وهم في أشد الحاجة إليه سبحانه تخلى الله عنهم لأنهم ما عرفوا لله طريقاً ، ما قدروا لله حقاً ، فالله سوف ينساهم في ذلك اليوم ، الذي يشيب فيه المولود ، ذلك اليوم الذي يفر فيه المرء من أمه وأبيه وأخيه وصاحبته وبنيه ، ولا يتذكر إلا نفسه ، يحتاج إلى حسنة فلا يجدها ، فأولئك العصاة من الزواني والزناة ، لم يتذكروا أن ورائهم موت وسكرة ، وقبر ووحشة ، ومنزل ووحدة ، ونار تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى ، فيالها من خسارة فادحة ، وندامة وأي ندامة . أما من أطاعوا الله جل وعلا ، الذين اتقوا ربهم في السر والعلانية ، فلهم الجنات بإذن الله رب الأرض والسموات . ولذلك ترتب على فعل فاحشة ( الزنا ) تلك العقوبة الصارمة في الحياة الدنيا ، والقبر ، والآخرة .
المقالات المتعلقة بعقوبة الزنا