تختلف الأفكار، والآراء من شخص إلى آخر، وهذه السمة أودعها الله تعالى في الناس حتى تعمر الأرض، ويعيش الناس حياة هانئة بعيدة عن الضنك الناجم عن التعصبات المذهبيّة، والفكرية، والعقديّة، والسياسيّة، وغيرها، ففي الاختلاف رحمة للناس، وسعة كبيرة لا يُقدِّرها إلا الذي يعيش تحت سطو فكرة واحدة تسيطر على كل مظاهر الحياة من حوله.
في بعض الحالات، قد يتحول هذا الاختلاف الجميل إلى أداة بيد من فقدوا أخلاقهم، ومبادءهم الإنسانية، ممّا يحيل الحياة إلى جحيم مقيم، خاصّة إذا تم اللجوء إلى العنف، والتحريض من أجل نشر فكرة ما.
من هنا فقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ضرورة نشر ثقافة الحوار، التي قد تحمل الحلَّ لهذه النزاعات البغيضة التي تنتشر في شتى أنحاء الأرض، وتالياً نوضح بعض الجوانب التي تتعلق بهذه الثقافة الهامّة.
ثقافة الحواريُعرَّف الحوار لغة على أنه نوع من أنواع الحديث الذي يجري بين اثنين أو أكثر، أمّا اصطلاحاً فيمكن القول على أنّ الحوار هو نشاط ذهني، وشفهي، يعمل المتحاورون فيه على تقديم البراهين، والأدلة التي تؤيّد ادعاءاتهم، ووجهات نظرهم التي يتبنونها، وذلك من أجل الوقوف مع الآخرين على أرضيّة واحدة، حتى لو يتم التوصل إلى نتيجة في نهاية المحاورة.
من هذا التعريف يتبين أنّ الحوار أسلوب راقٍ للحديث حول ما يستجد على الإنسان من قضايا، أو ما يُشكِل عليه، والإنسان بأسلوب الحوار قادرٌ تماماً على تحصيل الفوائد المختلفة وعلى رأسها صيانة الدماء المعصومة، واكتساب الفوائد العلمية، والمعرفية التي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال مثل هذه الأساليب.
إنّ انتشار ثقافة الحوار ليس بالأمر الهيِّن، غير أنّ في انتشارها تحقيقاً لغايات عميقة، فثقافة الحوار تنشر معها أيضاً فكرة تقبل الآخر المخالف، والتعامل معه على المستوى الإنساني، ووضع الاختلافات جانباً، كما تتضمن أيضاً إصلاحاً للمجتمعات الفاسدة، ونموَّاً، وارتقاءً على كافة الصعد، فالحوار يعني البعد عن الإقصاء، وبالتالي استغلال كافة القدرات من أجل التنمية، والإصلاح، وهو ما يعتبر منتهى آمال كافة الناس في شتى أصقاع الأرض.
يعتبر نشر ثقافة الحوار من الأمور التي تحتاج إلى وقت، فنشر هكذا ثقافة لا يعتبر من الأمور الهيّنة، خاصة في المجتمعات التي انتشر فيها الجهل، وصار الذين لا يمتلكون الثقافة، والمعرفة هم من يتقدمون ويتكلمون فيما لا يعرفون، الأمر الذي عمل على إحراج الأفكار، خاصة العظيمة منها، والتي لا تمتلك مدافعين جيدين عنها.
لعلَّ التحدي الأكبر الذي يواجه من يرغبون في نشر هذه الثقافة بين الناس، يكمن في وجود العديد من الجهات الرافضة للحوار أساساً، الأمر الذي سيدفع بكل تأكيد إلى البدء مع الإنسان منذ مراحله العمرية الأولى، مع عدم إهمال تحذير الآخرين، وتوعيتهم من مخاطر استشراء الجهل، والتعصب، والانغلاق.
المقالات المتعلقة بثقافة الحوار