راجت تربية الكلاب واقتناؤها في الآونة الأخيرة لدى شريحةٍ ليست بالقليلة من المجتمع العربي، بعد أن كان هذا الأمر ذائعاً ومُنتشراً لدى الغربيين؛ فتجد الكلب مُلازماً لهم في بيوتهم وأفنيتهم، ورفيقاً لهم في نزهاتهم.
ومن المعروف أنَّ الإسلام قد حثَّ على الرّفق بالحيوان، بل ورتَّب على الإحسان إليه أجراً عظيماً، وعلى إيذائه إثماً عظيماً في المُقابل، ومن الشّواهد على ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه - عن النّبي - عليه الصّلاة والسّلام -: (أنَّ امرأةً بَغِيًّا رأت كلبًا في يومٍ حارٍّ يطيفُ ببئرٍ قد أَدلعَ لسانَه من العطش، فنزعتْ له بمُوقِها فغُفِر لها)،[١] والموق هو الخفّ. وكذلك ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - قال: (دخلت امرأةٌ النّار في هرَّةٍ ربطتها، فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)،[٢] لكنَّ الإحسان إلى الحيوان والرّفق به لا يتنافى والاحتراز ممّا يَترتّب من الأضرار التي قد تَلحق بالإنسان حال اقتنائه لبعض الحيوانات - ومنها الكلاب - والاحتكاك بها.
موقف الإسلام من تربية الكلاباتّفق الفُقهاء على عدم جواز تربية الكلاب إلا للحاجة المُتمثّلة في الصيد، وحراسة الزّرع والماشية، ومن الفُقهاء من ألحقَ بهذه الحاجات حراسة البيوت والمُمتلكات وكلُّ حاجةٍ فيها مَنفعةٌ للشّخص المُربّي للكلب أو للنّاس عامّة،[٣] واختلفوا في تربية الكلاب لغير الحاجة؛ فذهب جمهور الفُقهاء إلى القول بالحرمة، وذهب ابن عبد البرّ إلى القول بكراهة تربية الكلاب لغير حاجةٍ دون التّحريم.[٤]
واستدلوا على ذلك بالأحاديث النبوية الآتية:
وجه الدّلالة من الأحاديث الشّريفة السابقة:
تتسبّب الكلاب بداء الكَلَب، وهو مرضٌ فيروسي ينتقلُ إلى الإنسان بواسطة لُعاب الكلب، وتتسبّب العدوى بداء الكَلَب بعشرات الآلاف من الوفيات سنويّاً مُعظمها في آسيا وأفريقيا، ويُشكِّلُ الأطفال دون سنِّ الخامسة عشرة 40% من المُتعرّضين لعضّات الكلاب المُشتبه بإصابتهم بهذا المرض، بحسب منظمة الصحة العالمية.[١٠] وليس داء الكَلَب هو المرض الوحيد الذي تتسبّب به الكلاب، فالأكياس المائيّة في الرّئة كذلك مرضٌ تتسبّب به الدّودة الشريطيّة الشوكيّة التي تتواجد في فضلات الكلاب، وتحدث العدوى للإنسان بتناوله طعاماً مُلوّثاً بفضلات الكلاب الحاملة لبيوض هذه الدّودة، وتكمن خطورة هذا المرض في طول مُكوثه في الجهاز التنفُسيّ دون أعراضٍ مُلفتة، كما أنَّ علاجه غالباً ما يكون بالتدخّل الجراحيّ لإزالة هذه الأكياس التي إن طال بقاؤها في الجسم قد تنفجر داخله.[١١]
ذلك يُبيّن المضارّ الصحيّة المُترتّبة على تربية الكلاب؛ فاقتناء الكلاب والاحتكاك المُباشر بها سببٌ في أمراضٍ عدّةٍ منها الكَلَب والأكياس المائيّة وغيرها، حيث يصعُب على من يُربّي الكلب أن يتحرّز من ملامسته ويمنع وصول لعابه أو فضلاته وانتقال ما فيها إليه. أمّا الأمر في الحديث الشّريف بغسل الإناء الذي شرب منه الكلب بالتّراب ذلك يعود لأنَّ فيروس الكَلَب الذي يحمله الكلب مُتنَاهٍ في الصِّغَر، ممّا يجعله يلتصق بجدار الأواني، والتّراب يمتلك القدرة على امتصاصها، كما ثبت أنَّ التّراب يحتوي على موادّ قاتلة للجراثيم.[١٢]
خلاصةخلاصة الأمر أنَّ النّهي عن تربية الكلاب جاء في التّربية التي تكون لغير حاجة؛ لما للكلاب من مَضار صحيّة أو ما قد يترتّب عنها من إخافةٍ وإزعاجٍ للمارّة والجيران، أما تربيتها للصّيد والحراسة وغيرها من الحاجات كالكشف عن المُخدِّرات وتتبّع الآثار - وهو ما تقوم به الكلاب البوليسيّة - فجائزٌ؛ لأنّه يُحقّق مصلحةً للفرد والمجتمع،[١٣] والإسلام قائمٌ على رعاية المصلحة واجتلابها، ودرء المفاسد واجتنابها، وبهذا يتأكّد أنَّ النّهي الشرعيّ عن شيءٍ لا يكون إلا لعلَّةٍ أو سببٍ فيه مضرَّةٌ بالإنسان وإيذاءٌ له جسديّاً، أو روحيّاً، أو فكريّاً.
المراجعالمقالات المتعلقة بتربية الكلاب في الإسلام