جاء الإسلام بأحكامه وشريعته لتكريم الإنسان، وتمييزه وتفضيله على سائر المخلوقات، كما جاء في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)،[١] ومن أوجه تكريم الله تعالى للإنسان أن جعله خليفةً له على الأرض، واستخلفه فيها، كما في قوله تعالى مُخاطِباً الملائكة عليهم السَّلام: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ ...)،[٢] والغاية من جعل الإنسان خليفةً لله على الأرض هي ليُعمِّر الأرض ويُحييها كما جاء في قول الله تعالى: (...هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...).[٣]
لم يُفرِّق الله تعالى في حُكمه، ومُعاملته، وتكريمه، والأمر بإعمار الأرض بين الذَّكر والأنثى، بل جعلهما مُتساوِيين في التَّكريم والتَّكليف والجزاء من ثوابٍ وعقابٍ؛ كلٌّ حسب سعيه، وعمله، والتزامه بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)؛[٤] حيث أعطى الإسلام المرأة مكانةً موازيةً لمكانة الرّجل، وأقرَّ لها من الحقوق ما للرّجل، وعليها من الواجبات والتَّكاليف ما عليه، وهي في المحاسبة والجزاء مثله، كما روت أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (نعم، إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ).[٥]
وقد خصَّ الله تعالى النِّساء بأحكامٍ تتناسب وطبيعتهنّ التي خلقهنّ عليها وفطرهنَّ بها، ومن بين ما خُصَّت به النِّساء من الأحكام فيما يتعلّق باللباس: الحجاب، وفيما يأتي حديثٌ عن الحجاب؛ تعريفٌ به، وبيانٌ لحكمه، وتوضيحٌ لمواصفاته وشروطه التي حدَّدتها الشريعة، وختامٌ بأهميّةِ الحجاب، وذِكر بعض فضائله.
تعريف الحِجابالحِجابُ في اللُّغة من الجذر اللُّغويّ حَجَب، الحاء والجيم والباء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ دالٌّ على المَنْع، يُقالُ: حَجَبهُ عن كذا؛ أي مَنَعهُ عنهُ، وسُمِّي حِجابُ الجَوْفِ في جِسْمِ الإِنسانِ بذلكَ؛ لأنَّه يحجُبُ بينَ القلبِ وسائرِ الجوفِ،[٦] وذكر ابن منظور في مُعجمه أنَّ الحِجاب هو السَّتْر، وحَجَبَ الشّيءَ؛ أيْ ستَرَهُ، والمرأة المُحتجِبة؛ أي التي تستَّرت بساتر، وحِجابَةُ الكعبة التي كانت مهمَّة بني قصيّ من قريش؛ أي تولِّي حِفظها بحجبها عن كلِّ سوء، وحمايتها، والقيام على خدمتها، وكلُّ ما حال بين شيئَيْن يُسمَّى حجاباً، ومنه قول الله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ).[٧][٨]
ولا يخرج معنى الحجاب ومدلوله في الاصطلاح الشَّرعيّ عن معناه ودلالته اللغويَّة؛ فحجاب المرأة هو السَّاتر الذي تستُر به جسدها، وفيه حيلولةٌ عن أعيُن النَّاظرين من الرّجال غير محارِمِها.[٩]
حُكم الحجاباتّفق الفقهاء على أنَّ الحجاب فرضٌ على كلِّ مسلمةٍ بالغةٍ، فإذا بلغت المرأة دخلت سِنَّ التّكليف، وأصبحت مُخاطَبة بالأحكام الشرعيّة، وأصبح الالتزام بها واجباً، ومن بين هذه الأحكام الحجاب، ودليل وُجوبه ما جاء في قوله تعالى في سورة النّور: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؛[١٠] فالآية الكريمة وغيرها من النُّصوص الشرعيَّة جاءت آمِرةً المؤمنات بالتزام الحجاب، وستر أجسادهنّ عن الرجال غير محارمهنَّ الذين بيّنتهم الآية الكريمة السّابقة وعدَّدتهم، فالحجاب واجبٌ على المؤمنة البالغة، تستُر به كامل جسدها ما عدا الوجه والكفَّين على قول جمهور الفقهاء، ولا يحلُّ لها نزع حجابها وكشف عورتها على غير المحارم إلّا لضرورةٍ، مثل: التّداوي والعلاج، أو الشَّهادة.[٩]
مُواصفات الحجاب الشَّرعيّلا بُدَّ أن تتوفّر في حجاب المرأة جُملةٌ من المُواصفات والشّروط، حتّى يصبح حجاباً شرعيّاً صحيحاً، ومن هذه المواصفات والشُّروط:[١١]
إنَّ للحجاب فضائل وفوائد عديدةً، تعود على المرأة المُلتزمة به وعلى المجتمع بوجهٍ عامٍّ، ومن هذه الفضائل:[١٣]
المقالات المتعلقة بحكم الحجاب