كان العرب في الجاهليّة قبل الإسلام ينظرون للموت على أنّه النهاية، فليس بعد الموت حياةٌ كما كان يعتقد أغلب العرب قبل الإسلام، فلمَّا جاء الإسلام رسَّخ العقيدة الصّحيحة حول النّظرة الإسلاميّة للحياة والموت، وأنّ الموت هو نهاية الحياة الدنيا، وأول الطريق في الحياة الآخرة، وأنّ الناس جميعاً سيُبعَثون يوم القيامة، وأنّ الحياة والموت عبارة عن ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور).[١]
مفهوم الموتالموت هو أوّلُ منازل الآخرة، قال سبحانه وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).[٢] ومعنى الآية الكريمة أنّ كل حيٍّ سيموت، وتُفارقُ روحه البدن الذي تعيشُ فيهِ وتسكنه.[٣]
سؤال يتبادر إلى الكثير من الناس، ويكثر الحديث في هذا الموضوع؛ عندما تُفارق الروح الجسد، ويكون الميت عزيزاً وذا شأن كبير للسائل، فيكون السؤال إنّ تحدّث العبد مع الميت في قبره هل يُسمع كلامه؟ وإن كان يسمع الميت فما صحة هذا القول؟ وما الدليل على ذلك؟
دليل سماع الميت في قبرهسماع الميت في قبرة حقيقة ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، فهناك حياة للميت بعد موته، وهذه الحياة تُسمّى بالحياة البرزخيّة التي تكون بعد الحياة الدنيا وقبل الحياة الآخرة.
الدليل من القرآن الكريمقوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)،[٨] في الآية دليل على أنّه توجد حياة بعد الموت غير الحياة الدنيا.
الدليل من السُنّة النبويّةأحداث ما بعد الموت كثيرة، وهي جليلة وخطيرة، ومن هذه الأحداث ما يُسمّى بالحياة البرزخيّة، وهي المرحلة الانتقاليّة من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، وهذه الأحداث منها ما يحدث في القبر والبعض الآخر يكون بعد بعث الخلق من القبور، وأول هذه الأحداث يكون في القبر وعلى مرحلتين: فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه.
فتنة القبر تعني أنّ الميت إذا وُضِع في القبر يُمتَحن؛ إذ يأتي للميت ملكان يسألانه ثلاثة أسئلة؛ من ربك؟ وما هو دينك؟ ومن الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيجيبهما المؤمن ويقول: ربي الله، وديني الإسلام، وأما من بعثه الله فيقول هو عبد الله ورسوله. أمّا الكافر فيجيبهما: هاه، هاه، لا أدري، والمنافق أو من خالطه الشكّ يقول: لا أدري، لا أعلم، سمعت الناس يتحدّثون عن أمر فقلته كما قالوا.
وقد كثرت الأدلة من القرآن الكريم في ثبوت سؤال الملكين وحقيقة النعيم في القبر وعذابه، فعلى العبد المسلم الإيمان بوجوده والتصديق الجازم به، ومن هذه الأدلة قوله سبحانه وتعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).[٨] وفي السنّة النبويّة حديث أنس بن مالك الذي يدلّ على رجوع الروح للميت، وسماعه من هم حول القبر.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين).[٩]
(قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ لعمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: يا عمرُ، كيفَ بك إذا متَّ، فقاسوا لك ثلاثةَ أذرعٍ وشبرًا في ذراعٍ وشبر، ثم رجعوا إليك وغسَّلوكَ وكفَّنوك وحنَّطوك، ثم احتملوك حتى يضعوكَ فيه، ثم يُهيلوا عليك الترابَ، فإذا انصرفوا عنك أتاك فتَّانا القبرِ: منكرٌ ونكيرٌ أصواتُهما كالرعدِ القاصفِ، وأبصارُهما كالبرقِ الخاطفِ، فتلتلاكَ وثرثراكَ وهولاكَ، فكيفَ بك عِندَ ذلك يا عمرُ؟ قال: يا رسولَ اللهِ، ومعي عَقْلي؟ قال: نعم قال: إذاً أَكْفِيكُهما).[١٢]
المراجعالمقالات المتعلقة بهل يسمع الميت