لقد خلق الله الإنسان وهيأ له أسباب عيشه، فأعطاه العقل الذي به يعقل وبه يدبر أموره ومنحه إلى جانب ذلك قوّة الجسم التي تعينه على ذلك وبسط له الأرض وسخّرها وذلّلها له بما فيها من نبات وحيوان، ونتيجةً لذلك الإنسان يبحث عن الطريقة التي يعمل بها فكانت أولى بداياته أن صنع أدواته من الحجر وصيد الحيوان والاستفادة من متعلقاته، ومع مسيرة الإنسان وتطوّره نما عمله وأخذ أشكالاً متعددةً، حتى وجد أنه كلما زاد علمه وإدراكه بالشيء زاد به حرفة، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من العمل المنظّم القائم على أسس واضحة بينة.
أهمية العمل في الإسلاملقد حث الله على العمل ودعا عباده إليه فقال: " وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ "، وفي جانب آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلأ ورعى الغنم".
إن مما أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل أحد المساجد فوجد جماعة من الشباب يلتزمون المسجد ولا يخرجون منه لانشغالهم بالقرآن، وحين سألهم إن كان لهم من ينفق عليهم فأجابوه لا، فأخذ ينهرهم بالسياط ويقول لهم: قوموا فاعملوا فإنّ السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، هذه الأدلة جميعها تثبت لنا وبالدليل القاطع مدى حرص الإسلام على العمل.
الأنبياء جميعهم عملوا وأكلوا من كد أيديهم، وزوج النبي زينب كانت تعمل وتأكل من كدّها وتتصدّق، وحين شكى فاطمة وعلي إلى النبي ما يجدونه من تعب في عملهم أوصاهما النبي بأن يسبحا الله 33 ويحمدا الله 33 ويكبرا الله 34 فإنها خيرٌ لهما من خادم لما لها من قوّة تلقي به على الجسم فإذا هو أنشط وأقوى وأقدر.
كان الصحابة جميعهم ممن اشتهروا بالجد والعمل ولا يغيب عن أذهاننا عبد الرحمن بن عوف وموقفه في عام الرمادة حيث أصاب المسلمين جوع وقحط شديد، فتبرع لهم بالقوافل المحمّلة بالطعام والشراب، عبد الرحمن الذي كان ينفق في سبيل الله فيخلفه الله خيراً في نفس اليوم وإذا الدينار بعشرة أمثاله، صفقة مربحة أنّى لعاقل يفرط فيها، إن كان جزاء الضعف ومثله معه في ميزان أعماله يوم القيامة.
نموذج حي على أهمية العمل وثمارهكما يقال الأمة التي لا تأكل من عمل يدها أمة ضعيفة، فالعمل هو عماد الحضارة وهو العجلة التي تحرك اقتصاد البلدان فكلما كانت الأمة منتجة مكتفية بنفسها عن غيرها بما حقّقته من تكافل واكتفاء لهم كانت هذه الأمة أقوى وأغنى وبنيانها أمتن، وهي بهذا مستقلة بذاتها عن غيرها غير تابعة لا تخاف سطوة من أقوى منها فهي لا تحتاج لأحد.
لمن لا يعلم ما هي قصة اليابان تلك التي تم تدميرها في الحرب العالمية الثانية حتى غدت خراباً لا ينبت فيها زرع ولا يقوم بها عمل، لكنها مع ذلك كله ما يئست ونكست أعلام الهزيمة المقيتة، وكان من قصة نهوضها شاب صغير طموح يدفعه طموحه وعزمه همته كانت تأبى عليه إلا أن يحقق ما تصبو إليه نفسه في أن يتعلّم كيف تصنع محرّكات السيارات في ألمانيا، فسافر إلى طموحه ووجد ما وجد، وقاسى ما قاساه ومع هذا صبر وتحمّل فشرارة الحلم لمعت وبان ضياؤها، ليعود إلى اليابان حاملاً معه مفتاح التغيير فبدأ يعمل في صناعة محركات السيارات التي لم تكن آنذاك مشهورة بما يكفي، ومع الوقت تطور عمله وتوسع إلى محالٍ وعمال وعقارات وشركات حتى غدت اليابان اليوم من الدول التي تنافس على عرش الأرض بما لديها من تقدم تكنولوجي فريد، وهنالك الكثير الكثير من تلك الأمثلة التي تدقّ في ناقوسنا كي نعمل ونبذل لنصل إلى ما نريد ولأجل ذلك قيل: " إن نهوض الأمم على قدْر همم شبابها ".
قِيَمُ العمل والكسبوإن كان العمل ضرورة فهو أيضاً له عدد من الاعتبارات التي وجب علينا التحلي بها لنكون أكثر إنتاجية وأمانة وأهنأ بالاًد:
من قيم ومهارات العمل وأخلاقياته إن كنت مسؤولاً :
قال علي رضي الله عنه: "قيمة المرء ما يحسن"، فإن كنت ممن يبحث عن ذلك المقام الرفيع في دنياك وأخراك، لتنال حب الله وحب عباده فأحسن ما تتقنه سييسر لك الله ما تعمله ويباركه، فاعمل بكل جدّ ثم توكل على الله وثق أن الله يحب المتوكلين الذين يأخذون بالأسباب ثم يتوكلون ولا يحب المتواكلين الذين ينتظرون من الله رزقاً دون جهدٍ منهم أو مشقة، لهذا كله خذ بالأسباب واعلم بأنّ الله لن يردّك.
المقالات المتعلقة بمقال عن العمل