الصبر قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في كبد"، آية جليلة اختصرت حقيقة الحياة التي جبلت على الأكدار والأقذار، وفي هذه إشارة ولفتة من المولى جل في علاه إلى هذا المخلوق الضعيف من أجل أن يدرك ويتبصّر، حتى إذا ما استقر في خلده ذلك صبرعلى نكباتها وتقلباتها، التي ما كادت تدني الفرد حتى تقصيه.
الصبرُ لغةً اسم مشتق من الفعل صَبَرَ، وهو في اللغة الصبر ويعني الحبس وصَبْرُ الشيء يعني حبسه، ويقال: حبس الرجل الشيء بمعنى صبره، ويشتق منها أيضاً اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى وهو الصبور، وهي صفة قد تطلق أيضاً على الإنسان فيقال رجل صبور وفتاة صبور دون فرق بين التذكير والتأنيث.
أما في الاصطلاح فهو يعني حبس النفس عن كل ما لا يحبه الله ولا يرضاه، من جزع أو شكوى أو سخط أو ما سواها، وهو في حقيقته حمل النفس على ما تكره.
فوائد الصبر - إن أفضل الصبر الصبر الجميل الذي ذكره الله عز وجل في قصة يعقوب وابنه يوسف الصدّيق، وما حل به من فقده ليوسف وأخيه بنيامين، لكنه مع ذلك كله صبر صبراً جميلاً لم يشْكُ فيه ربه لأحد، بل كان يكتفي ببث حزنه وضيقه إلى ربه حتى فقد بصره، ولم يكن من دعائه سوى ما رواه الله عنه في كتابه العزيز، حيث قال الله: "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون"، دعاء عظيم من يقين راسخ لا تزلزله الحوادث أو تذهبه، ورغم ألم الفقد وشدة الشوق التي كادت أن تقتل يعقوب إلا أنه استمر في دعائه إلى أن رد الله عليه يوسف وأخاه وما أعقبه من رجوع بصره، الذي ما كان سيجزى به لولا صبره وشكره ورضاه بما كتب الله وقدر، إذ إن الله لا يقضي الأمور عبثاً إنما لحكمة وحده مَن يعلمها.
- الصبر هو السبيل لتحقيق المراد مع الثقة بالله عز وجل، فهذا زكريا -عليه السلام- بلغ به العمر مبلغه حتى جاوز التسعين بلا ولد ولا سند لكنه مع ذلك استمر يدعو الله في دعاء له خفي حتى لا تسمعه الناس فتلوم عليه ذلك؛ إذ كيف به هذا وقد بلغ من الكبر عتياً، ورغم ذلك كله استمر زكريا يلهج بحاجته إلى ربه الذي أمره ما بين الكاف والنون إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، حتى سمع الله النداء وكان الجواب: "يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى"، وتمت البشارة وتحقق المطلوب بل وأكثر، فالصبي الذي انتظر سيكون نبياً بعد ذلك، ثم ما زلزل به زكريا بإقدام بني إسرائيل على قتل يحيى وما قاموا به بتقديم رأسه على طبق لبغي من بغاياها، ومع هذا كله وجدناه صابراً محتسباً أمره لله وحده.
- ومن ثمار الصبر كذلك بأن الصابر يكون في معية الله وعونه ورحمته، و نلحظ ذلك جيداً في قوله تعالى لنبيه محمد حين قال: "فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا"، يالله ما أجملها من مواساة، يواسي بها الله نبيه محمد ويقول له: "فإنك بأعيننا"؛ أي لا تخشَ مع الله أحداً فأنت بأعيننا، فمن الذي يضرك أو يضيرك يا محمد، إن كانت نواصيهم جميعاً بين يدي مالك السماوات والأرض، فاصبر لحكم ربك فإن وعد الله قادم لا محالة فما بقي سوى القليل.
فضل الصبر وبذلك نجد بأن الصبر دأب الأنبياء والمرسلين من قبل ومن بعد، فالصبر عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه فيرضى بما قسم الله له راجياً منه المغفرة والرفعة والخير الجزيل، وما للصبر من أجر عظيم في الدنيا والقبر الآخرة، ففي الدنيا يعطيه الله خيراً مما أُخذ منه، أما في قبره فإن الصبر يأتي شفيعاً لصاحبه ويمنع عنه العذاب، حتى إذا ما جاء ويوم القيامة وفّاه الله جزاء صبره فأسكنه فسيح جنته.