رعايةُ الأبناء
حَرصت الأديانُ السَّماويَّة جميعها على تنشئة الأبناء ورعايتِهم رِعايةً شاملةً تقومُ على الصَّلاحِ وحُسنَ التَّربيةِ، وتُؤسِّسُ لِمجتمعٍ فاعلٍ مُتكافلٍ يَقوى على البِناءِ وصناعةِ الكيانِ القويمِ المُتماسك، والإسلامُ بدورِه سَلَّطَ الضوءَ على قضايا رِعايةِ الأبناءِ وتَنشِئتِهم تنشئةً تليقُ برسالة الاستِخلافِ التي تُحتِّمُ على الجيلِ العمَلَ من أجلِ نشرِ الخيرِ وإنقاذِ البشريَّةِ من غياهبِ الضَّلالِ وما تَحمِله هذه الرِّسالةُ من صُعوباتٍ وتحدِّيات.
يَستعرِضُ القرآنُ الكريمُ في آياتِه العظامُ صوراً من أصولُ التَّربيةِ وأساليبِها وثَمراتِها، ومن ذلِك ما حوتهَ آياتُه في الحديثِ عن ابني آدمَ (قابيل وهابيل) اللذينِ أثمرت التَّربيةُ الأبويَّةِ بأحدِهما ولم تُؤتِ أُكُلها في أخيه، فكانَ منهما قاتلٌ أرادَ القتلَ ومقتولٌ فَضَّلَ الموتَ على المواجهة، وفي قِصَّةِ إبراهيمَ الخليل عليهِ السَّلام وابتلاءُ اللهِ له باختيارِ إسماعيلَ قُرباناً له، حتَّى أسلَم إسماعيلُ عليه السَّلامُ نفسه لأبيهِ مُلبياً إرادةَ الله وبارَّاً بأبيهِ، فافتَداهُ اللهُ جزاءَ إيمانِهما وصدقِ ما كانا عليهِ، وقد رَسَم الإسلامُ بتشريعاتِه وآدابِه نظاماً مُتكاملاً ومنهجيَّاتٍ شموليَّة تحضُّ على رعايَةِ الأبناءِ وتنميتِهم بأحسنِ ما يكونُ عليهِ المجتمعُ، لتضمنَ حالَ تنفيذِها تنفيذاً سليماً أميَزَ المُخرَجاتِ وأفضلِها وأصلَحِها عطاءً ومناسبَةً للتغيُّراتِ المكانيَّةِ والزَّمانيَّة.[١]
الحقوق في الأسرة
شَرَعَ الإسلامُ بِعدالَتِهِ أحكاماً خاصَّة بكلِّ مُكوِّنٍ يَقَعُ ضمنَ حدودِهِ من مسائِل الأسرةِ والمُجتَمعِ وما يتعلَّقُ بهما، ومن ذلكَ أنَّ لكلَّ فردٍ في هذه التَّنظيماتِ حقوقاً يَستَحقُّها بوجودِه ومَكانتِه وارتِباطاتِه، فحقوقُهُ مَضمونةٌ صيغَت بالكِتابِ العَظيمِ المُنزلِ من عندِ اللهِ على نبيِّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أو اشتَملَتها سُنَّةُ الرَّسولِ الكريمِ لِتبيّنَ للعِبادِ عدل الإسلامِ وتكفُّلِه بإيتاءِ الحقوقِ وتمامِها، كما ضَمِنَ الحقوقَ ونظَّمها، وحدّد الواجبات اللازِمةِ والواجِبةِ على الأفرادِ ذاتِهم، لِيسعى كُلُّ فردٍ بأداءِ واجِباتِه تجاهَ باقي المُكوِّناتِ ويَنالَ منها حقوقَهُ، فتتحقَّقُ العدالةُ والنِّظامُ اللَّذينِ يقومُ عليهما المُجتمعُ والأسرةُ وتتفاعلُ بهما الحياةُ والعلاقاتُ فلا يَطغى أحدُ المُكوِّناتِ على الآخر. [٢]
واجباتُ الآباء نَحو الأبناء
مِمَّا اشتَملهُ الإسلامُ في نِظامِهِ حقوقَ الآباءِ على أبنائِهم وحرصِهِ على سلامةِ العلاقةِ بينَهم، وواجباتِ الآباءِ تجاهَ أبنائِهم وسلامةِ توجيهِهِم وتنشئتهم، ومن الواجباتِ التي خصَّ الإسلامُ بها الأبناءَ مِن آبائهم الآتي: [٣]
- حُسنُ اختيارِ الزَّوجِ لزوجتِه: الزوجة هي التي ستكونُ أمَّاً، وتقعُ على عاتِقها تربية الأبناء، فإن صَلحت الأمُّ صلُحت تنشئة الأبناءِ وحَسُن تأديبهم، فمن واجباتِ الأب نحو أبنائه حُسن اختيارَ أمِّهم بما يُحقِّقُ لهم الخير والفضل ويُجنِّبهم العارَ والسُّخرية وسوء الحديث، وفي ذلكَ قولُ الرَّسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام: (تُنكَحُ المرأةُ على مالِها وتُنكَحُ المرأةُ على جمالِها وتُنكَحُ المرأةُ على دِينِها خُذْ ذاتَ الدِّينِ والخُلقِ ترِبَت يمينُك)[٤]
- حسنُ اختيار الاسم: من حقوق الأبناء أن يُحسن الآباء اختيارِ أسمائهم؛ فيُسمِّي الوالِدُ وَلده بما يليقُ ويُحمد، ليكون اسمه مبعَثَ فخرٍ وكرامة، ويَجبُ على الوالد أن يَكفي وَلدهُ عار الاسمِ وسُخريَته، ويجنِّبه الأذى من الاختيار السيئ، فلا يُسمّيه بما لا يصحُّ معناهُ ولا ما يَكونُ دافعاً لِذكرهِ بسوءٍ فيجلبُ العار له ويَحطُّ من مقداره.
- الاستقبالُ المُلائِم والتَّهيئةُ المُثلى لِتنشئته: في ذلكَ مُتعلِّقاتٌ عديدةٌ أهمُّها السَّعي في توفيرِ الرِّزقِ والمالِ للتَّوسعة على الأسرةِ حتَّى تُحسِنَ رِعايَته وبناءه، وفي التَّوسعةِ على الأبناءِ حفظٌ لهم وحمايةٌ من الانحرافِ والفسقِ، وحفظٌ لآبائهم من العقوق، فالفقرُ يدعو إلى الفُسوقِ والتَّقصيرُ يدعو إلى العقوق، يجدُرُ بالرَّجل أن يُهيِّئ البيئة المُناسبة لاستِقبالِ مولودِه إن أراد له حُسن النشأة والتكوين، ومن الخير والفضلِ أن يستقبِله بسعة رزق إن أمكنه ذلك، والسَّعي في الكسبِ من أجلِ الرعاية أمرٌ محمودٌ.
- التَّربيةُ الإيمانيَّةُ السَّليمة وحقُّ التعليم: الوالدُ مسؤولٌ عن تنشئة أبنائهِ وتربيتهم تربيةً إسلاميَّةً تُعرّفهم الحلال والحرامَ، فتحفظ عليهم دينَهم وفطرتهم واختيارهم السَّليمَ، فيسلكوا مسالك الصَّالحينَ ويُقبلوا على اللهِ تعالى، وتتأتَّى التَّربيةُ الإسلاميّةُ الحسنة بتنشئة الأبناءِ على الفضائل وتنبيههم من الوقوع في الرَّذائل، وتلقينِهم العباداتِ وتعريفهم بالصَّلوات، وتعليمهم القرآن الكريمِ وعلومه وشمائله، وتحصينِهم من الإفراطِ الذي فيه انحِرافُ العقيدة والسُّلوك والفكر، ومن التفريط الذي فيه ضياعُ النَّفسِ وابتعادها عن الدين القويم، فإذا تحقّقَ التأديبُ من الآباءِ تكفَّلَ الله بصلاحِ الأبناءِ، ومن واجباتِ الآباءِ نحو أبنائهم تعليمهمُ ما يُستَفادُ منه وما تقومُ الحياةُ به، كالكتابةِ والصِّناعة، وما يَلزمهم في حياتِهم من مهاراتٍ ينتفعون بها، كالسِّباحةِ والرِّماية، ويُبنى على ذلكَ قوَّة الفردِ وصلاحُ المجتمع ونصرة الدين.[٥]
- إعانةُ الأبناءِ على فعل الخير: فيدلُّهم على ما يَقومُ به أمرُ الخيرِ، ويعرِّفهم بما ينبغي عليهم أن يجتنبوه من أمورِ الشّر، ويُعينهم على طاعته، فلا يُكلِّفهم ما لا يَحتملون، ولا يُحمِّلهم ما لا يطيقون، ويَستوجبُ في ذلك التنبُّه إلى أمرِ الدِّينِ ونهيه، فلا يكونُ مَطلبُ الأبِ من ابنه مخالفٌ لما جاءَ به الإسلام، فيستدعي ذلكَ حيرة الابنِ وعقوقه، فإن أطاعَ أباهُ عصى ربَّه، وإن عصى أباهُ عقَّه، فالواجبُ على الآباءِ توجيه الأبناءِ بما فيهِ طاعة الله تعالى، وإعانتهم على الخيرِ والبر، فلا يكونُ منهم التَّحريضُ على المعاصي والفسوق، كقطعِ الرَّحم وحبس الصَّدقة، والظُّلم في الميراث.
- المساواةُ بين الأبناء: المساواة بين الآباءِ مَطلبٌ ضروريٌّ يتحقَّقُ به العدلُ والبرّ، وقد نهى رسولُ الله عليه الصَّلاة والسلام عن التمييز بين الأبناء والتفضيل بينهم في الرزق والعطايا والمُعاملة.
- إعانتهم على اختيار أزواجهم: إذا بلغَ الولدُ وسعى والده لتزويجه درءاً لفساده نال أجراً؛ ففي زواج البالغِ حفظٌ له من الزَّيغ والفحش، واستثمارٌ لطاقته فيما يحلُّ ويجوز، فإذا أرادَ الزَّواج سعى والده في اختيارِ من تكون له زوجةً ذات دينٍ وحسن معشر، فإذا أعانه في اختياره كانت له عوناً في حياته وتربية عياله.
المراجع
- ↑ عطية صقر، تربية الأولاد في الإسلام، صفحة 3-17.
- ↑ "حقوق الأبناء على الآباء"، إسلام ويب.
- ↑ عمر العقيلي، تذكرة الآباء وتسلية الأبناء، الدراري في ذكر الزراري، صفحة 48-52.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 4037.
- ↑ "ما هي حقوق الأبناء على الآباء"، شبكة الألوكة.