يصف القرآن الكريم عقد الزّواج بالميثاق الغليظ في قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[١] وذلك يعني الكثير، كيف لا وقد جعل الله سبحانه وتعالى فيه السّكينة، والاطمئنان، والمحبّة، والمودّة، والاستقرار، والأمان، علاوةً على ذلك كلّه افتتح الله سبحانه وتعالى حديثه عن الزّواج بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً)،[١] وهو تشبيهٌ بليغٌ؛ حيث وصف طبيعة العلاقة بين الرّجل والمرأة على أنّهما جسمان في روحٍ واحدةٍ، وهذا يجعل الرّابطة الزوجيّة مُقدّسةً، لا تماثلها أيّة رابطةٍ أخرى بين أيّ اثنين، وعقد الزّواج مثل غيره من العقودِ، يحوي أركاناً وشروطاً وآداباً، ويتخلّله الفساد والبطلان والصحّة، وفيما يلي بيانٌ لأركان عقد الزّواج حسبَ ما ذهب إليه الفقهاء.
معنى عقد الزّواجالزّواج لغةً: من زوَّج الشّيء، وزوّجه إليه: أي ربَطهُ به، وهو بمعنى الاقتران والارتباط، ويُطلَق على كلّ واحدٍ من الزّوجين اسم زوجٍ إذا ارتبطا بعقد نكاحٍ.[٢] أمّا عقد الزّواج: فهو عقدٌ يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْءٍ بِلَفْظ إنكاح، أَو تَزْوِيجٍ، أَو بترجمته.[٣]
أركان عقد الزّواجحرصت الشّريعة الإسلاميّة على أن تكون العقود كلّها فيها مرعيّةً بشتّى الوسائل والطّرق الّتي تضمن ديمومتها، فكيف إن تعلّق الأمر بعقدٍ يقع على الأبضاع الّتي هي أخطر ما يمكن أن يرِد فيه عقدٌ، فقد قال الفقهاء في القاعدة الفقهيّة المشهورة: إنّ الأصل في الأبضاع التّحريمُ، وبناءً على ذلك فقد أوجد الشّارع لكلّ عقدٍ مجموعةً من الأركان التي لا ينعقد العقد ولا يتمّ إلّا إن تمّت صحيحةً، تتبعُها بعض الشّروط والأمور الأخرى التي تكون أقلَّ أهميّةً من الأركان، وقد اختلف الفقهاء في أركان عقد الزّواج على قولين: أوّلهما أنّ عقد الزّواج له ركنٌ واحدٌ، وهو رأي الحنفيّة، أمّا القول الثاني فهو أنّ لعقد الزّواج خمسةُ أركانٍ، وقد ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء، والآتي بيانٌ لذلك:
صِيغَة العقدصِيغَة العقد هي الرُّكنُ المُتَّفَقُ عليه بين فقهاء المذاهب الأربعة: أبي حنيفة، ومالكٍ، والشافعيِّ، وأحمد، والرُّكن الوحيد عند الحنفيّة؛ إذ دونَ الصّيغة لا ينعقد الزّواج ولا يتمّ، وتنقسم الصّيغة في عقد الزّواج كما في أيّ عقدٍ آخر إلى إيجابٍ وقبول، فالإيجاب: هو ما يصدر من العاقد الأوّل، والقَبول: ما يصدر من العاقد الثّاني، ويُشترَط لتحقّق الإيجاب والقبول أن يصدرَ بلفظٍ يُعبّر فيه العاقد عن رغبته من العقد، وقد نتج عن ذلك خلافٌ بين الفقهاء بخصوص الألفاظ التي تصلح لإتمام عقد الزّواج.[٤]
الصّداق أو المهر هو أحد أركان عقد الزّواج عند جمهور الفقهاء المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وقد استدلّوا على ذلك من الكتاب والسُّنة والإجماع، أمّا دليلهم من القرآن الكريم فهو قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)،[٥] ودليلهم من السّنة ما رواه البخاريّ في صحيحه عن سهل بن سهد الساعدي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: (التَمِسْ ولو خَاتَماً من حديدٍ)،[٦]، فنبّه الحديث النبويّ الشّريف صراحةً إلى أنّ المهر ركنٌ في عقد الزّواج، وإن قلَّت قيمته، وقول رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أيضاً: (لا نِكاحَ إلّا بِوَليّ وصَداق وشاهِدَيْ عَدلٍ)، وقوله (لا نكاح) دليلٌ على انتفاء تمام العقد بِلا صداقٍ، ويكون ذلك للرُّكن، ولا يكون للشّرط، وقد أجمع الصّحابة على ذلك، فلا يَجوز التَّراضي على إسقاط المهر من العقد.[٧]
العاقِدانالمقصود بالعاقدين هما من جرى عليهما وبهما عقد الزّواج؛ أي الزَّوج والزّوجة، وكلّ واحدٍ من الزّوجين ركنٌ مُستقلٌّ بذاته، فلا ينعقد النّكاح بأحدهما دون الآخر، ويُشتَرَطُ في الزّوجة أن تكون خاليةً من الموانع الشرعيّة للنّكاح، ومن ذلك أن تَكون مُتَزَوِّجَةً، أو مُطلّقةً من غيره ولا زالت في عدّتها الشرعيّة، أو مُطلَّقة من العاقد نفسه ثلاث طلقاتٍ، ما لم تتزوّج بغيره، ثمّ يطلّقها أو يُتوفّى قبل أن تنوي العقد على زوجها الأول، أو كانت مسلمةً ثمّ ارتدّت، أو ليست من أهل الكتاب، كأن تكون مجوسيّةً أو وثَنِيَّةً، أو أن تكون أَمَةً أي عَبْدَةً، والرجل الذي ينوي زواجها حُرٌّ، أو تَكونَ مَحْرَماً له، مثل: عمّته، أو خالته، أو أخته، أو ابنة أخته، أو أن يكون في ذمّته أربع زوجاتٍ غيرها، أو يَكون مُتَزوِّجاً بمن يحرُم عليه الجمع بين التي في ذمّته وبينَها، أو تكون مُحْرِمَةً تريد الحجّ أو العمرة.[٨]
الشُّهودلا يَنْعَقِدُ الزّواج إلا بِحُضُور شاهدَين رَجُلَين تحديداً، مُسلمَين وصلا سنَّ البلوغ، عاقِلَين، حُرَّيْن، عَدلَين، سامعَين، بَصيرَين، فاهمَين ما يجري أمامهما من العقد، يُجيدان اللّغة التي ينطقها العاقدان، وقيل: يصحّ أن يكون الشاهدان أعميين؛ وقيل عن أبي الحسن العباديّ رحمه الله إنَّه ذهب إلى جواز أن يَنْعَقِد الزّواج بمن لا يَعْرِف لِسان المُتَعاقِدين؛ لأنّه يَنْقُلُه إلى القاضي.[٨]
الوَلِيّاختلف الفقهاء في كون الوليّ ركناً في عقد النكاح أو لا، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ركنٌ فيه، فلا يتمُّ عقد النِّكاح إِلَّا بولِيٍّ، وذلك لقَوله سبحانه وتَعَالَى: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)،[٩] قيل إنّ هذه الآية نزلت فِي الصحابيّ الجليل معقل بن يسَار رضي الله عنه؛ حيث يروي البخاريّ في صحيحه عن الحسن البصريّ قوله: (أنّ أختَ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ طلَّقَها زوجُها، فتَركها حتّى انقَضَتْ عِدَّتُها فخطَبها، فأبَى مَعقِلٌ، فنزَلَتْ: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّنَّ)،[١٠]).[١١] وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنّ النَّبِي عليه الصّلاة والسّلام قَالَ: (أَيّمَا امْرَأَة نَكَحَت بِغَيْر إِذن وَليّهَا، فنكاحها بَاطِلٌ ثَلَاثاً)؛[١٢] فَلَا تُقبَل عبارَة الْمَرْأَة البكر فِي النِّكَاح سواءً في ذلك الإيجاب أو القبول، فَلَا تُزوِّج نَفسهَا بنفسها، حتّى إن أذِن الْوَلِيّ لها أو لغَيرهَا، ولا يُقبَل تزويجُها من غير وليِّها بِولَايَةٍ أو وكالةٍ.[١٣]
يُشار إلى أنّ الفُقهاء قد اتّفقوا على الأركان الخمسة سالفة الذكر لإتمام عقد الزَّواج، حتّى فقهاء الحنفيّة، الذين ذهبوا إلى أنّ ركن النّكاح واحدٌ فقط، وهو الصّيغة، وقالوا باشتراطِ باقي تلك الأركان، فلا ينعقد عقد الزّواج إلّا بِوُجود تلك الشّروط، والخِلافُ بينهم خِلافٌ شَكليٌ بَحت.
المراجعالمقالات المتعلقة بما هي أركان الزواج