النّكاح أو الزّواج هو سنّة من سنن الله في خلقه، وآية من آياته للتزاوج والتّكاثر بين البشر، وقد نزل به القرآن مؤكّداً، وحثّ عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد دعا الشّباب إليه صوناً وعفّةً لهم، وتحقيقاً لنصف دينهم، وجعل ثواباً عظيماً لمن يعين على الزّواج أو ييسّره أمام الشّباب، وحتّى يتحقّق هذا الزّواج شرعاً، لا بدّ من وجود عقد بين الزّوجين له أركان وشروط، حتّى يكون صحيحاً شرعيّاً يعتدّ به.
محتوياتيعدّ النّكاح صحيحاً في حال تلفّظ الأب والزّوج بما يدلّ على الإيجاب والقبول، مثل أن يسأل العاقد الأب فيقول: هل تزوّج ابنتك فلانة من فلان؟ فيقول: نعم، زوّجتها منه، أو أنكحتها إيّاه، وما شابه ذلك من كلّ صيغة تسدّ وتجزئ في عقد النّكاح، ثمّ يقول الزّوج: قبلت مثلاً، ونحوها.
وإذا لم يتلفّظ الأب والزّوج بما يدلّ على صيغة النّكاح، بل تمّ الاكتفاء بموافقتهما على عقد النّكاح، فإنّ هذا العقد يعدّ باطلاً عند جمهور أهل العلم، وذلك لزوال أحد أركان عقد الزّواج، وهي صيغة القبول والإيجاب، وبالتالي لا بدّ من إعادته.
ولا تقتصر صيغة الإيجاب والقبول على صيغة زوجتك ابنتي، وأنا قبلت، بل إنّها عند الحنابلة والشّافعية لا تصحّ الصّيغة إلا من خلال لفظ مشتقّ من ألفاظ التّزويج، مثل: أنكحتك، أو زوّجتك، وعند المالكيّة والحنفيّة لم يشترط ذلك، بل قالوا أنّ النّكاح ينعقد بما يدلّ على التّأبيد، مثل: أنكحتُ، أو وهبتُ، أو ملكتُ، ونحو ذلك، بالإضافة إلى ذكر الصّداق.
وقد ورد في الموسوعة الفقهيّة:" واستثنى بعض الفقهاء من هذا الأصل عقد النّكاح، فلا يصحّ إلا بلفظ النّكاح والزّواج ومشتقاتهما، كما ذهب إليه الشّافعية والحنابلة "، قال الشربيني:" ولا يصحّ إلا بلفظ اشتقّ من لفظ التّزويج أو الإنكاح، دون لفظ الهبة، والتّمليك، ونحوهما، كالإحلال والإباحة، لأنّه لم يذكر في القرآن سواهما، فوجب الوقوف معهما تعبّداً واحتياطاً، لأنّ النّكاح ينزع إلى العبادات لورود النّدب فيه، والأذكار في العبادات تتلقّى من الشّرع ".
وقال الحجّاوي من الحنابلة:" ولا يصحّ إيجاب إلا بلفظ أنكحت أو زوّجت.. ولا يصحّ قبول لمن يحسنها إلا بقبلت تزويجها أو نكاحها، أو هذا التّزويج أو هذا النّكاح، أو تزوّجتها، أو رضيت هذا النّكاح، أو قبلت فقط أو تزوّجت ". (1)
عقد الزواجإنّ العقد هو اتفاق ما بين طرفين، بحيث يلزمهما بواجبات معيّنة اتجاه الآخر، ولدى كلّ من الطرفين حقوق للطرف الآخر، وبالتالي فإنّ لكلّ عقد آثاراً تترتب عليه، فعقد البيع على سبيل المثال يترتّب على حصوله استمتاع المشتري بالسلعة، وانتفاع البائع في القابل بالثّمن. (2)
أمّا الزّواج فقد اختلف الفقهاء في تعريفه، فهو عند الحنفيّة عقد يفيد ملك المتعة بالأنثى قصداً، أي يفيد حلّ استمتاع الرّجل من امرأة لم يمنعه من نكاحها مانع شرعيّ. وأمّا عند المالكيّة فإنّ النّكاح هو عقد لحلّ التمتّع بأنثى غير محرَم، ومجوسيّة، وأمة كتابيّة بصيغة. وأمّا الشّافعية فيرون أنّ النّكاح هو عقد يتضمّن إباحة الوطء بلفظ إنكاح، أو تزويج، أو ترجمته. وأمّا الحنابلة فقالوا أنّ النّكاح هو عقد التّزويج، أي عقد يعتبر فيه لفظ نكاح، أو تزويج، أو ترجمته. (4)
أركانهإنّ عقد الزّواج الشّرعي لا يتحقّق إلا باكتمال أركانه، وهي على النّحو التالي: (3)
إنّ من شروط عقد الزّواج ما يلي: (2)
يتميّز عقد النّكاح بمجموعة من الخصائص، ومنها: (4)
إنّ للنكاح مجموعةً من السّنن والآداب، منها: (5)
إنّ معنى المهر في اللغة: صداق المرأة، وهو: ما يقوم الزّوج بدفعه إلى زوجته عند عقد الزّواج، وجمعها مهور ومهورة، ويقال: مَهَرْتُ الْمَرْأَةَ مَهْرًا أي أعطيتها مهرها، وأمّا في الاصطلاح فقد عرّفه الشّافعية بقولهم:" هُوَ مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ، أَوْ وَطْءٍ، أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا "، وإنّ للمهر تسعة أسماء، هي: الصّداق، والمهر، والنّحله، والصّدقة، والأجر، والفريضة، والعقر، والعلائق، والحباء.
والمهر أمر واجب في كلّ نكاح، وذلك لقوله تعالى:" وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم "، النّساء/24، وبالتالي قيّد الإحلال به، ولكنّ ذكر المهر في العقد لا يعدّ شرطاً لصحّة النّكاح، حيث أنّه يجوز إخلاء النّكاح عن تسميته، وذلك باتفاق الفقهاء، لقوله سبحانه وتعالى:" لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً "، البقرة/236، حيث حكم هنا بصحّة الطلاق مع عدم تسميته، والطلاق لا يكون إلا في حالة النّكاح الصّحيح.
وعنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله تعالى عنه، أنَّهُ سُئلَ عن رجلٍ تزوَّجَ امرأةً، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخُل بها حتَّى ماتَ، فقالَ ابنُ مسعودٍ:" لها مثلُ صداقِ نسائِها، لا وَكْسَ، ولا شططَ، وعليها العدَّةُ، ولها الميراثُ، فقامَ مَعقِلُ بنُ سنانٍ الأشجعيُّ فقالَ قضى رسولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلّم - في بَرْوَعَ بنتِ واشقٍ - امرأةٍ منَّا - مثلَ ما قضيتَ، ففرِحَ بها ابنُ مسعودٍ رضي الله تعالى عنه "، رواه الترمذي.
وقد صرّح كلّ من الحنابلة والشّافعية بأنّه من المستحبّ تسمية المهر للنّكاح، لأنّ الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - لم يُخل نكاحاً منه، ولأنّ ذلك يعدّ أدفع للخصومة.
وأمّا في حال اشتُرط نفي المهر في النّكاح، كأن يتزوّجها بشرط أن لا يكون هناك مهر لها، فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فرأى كلّ من الحنفيّة، والحنابلة، والشّافعية، أنّ هذا النّكاح صحيح، في حين رأى المالكيّة أنّ هذا النّكاح لا يصحّ عند وجود شرط نفي المهر، حيث أنّهم يعتبرون المهر ركناً من أركان النّكاح، ويقولون:" وَمَعْنَى كَوْنِهِ رُكْنًا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ إِسْقَاطِهِ ". (4)
الوكالة في العقدإنّ حكم الوكالة في عقد النّكاح هو الجواز، حيث أنّه يجوز لكلّ من الرّجل، وولي المرأة، والمرأة الي لا يصحّ النّكاح دون إذنها، أن يوكلوا من ينوب عنهم في عقد النّكاح، ويتولى عنهم الإيجاب والقبول مع عدم حضورهم.
قال ابن قدامة في المغني:" ويجوز التّوكيل في عقد النّكاح في الإيجاب والقبول، لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وكّل عمرو بن أميّة، وأبا رافع في قبول النّكاح له ".
وقد تكون هناك حاجة ماسّة للوكالة في عقد النّكاح، فربّما احتاج شخص أن يتزوّج من مكان بعيد، وكان من غير الممكن له أن يسافر، ومن ذلك أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - تزوّج من أمّ حبيبة، وقد كانت يومئذ في أرض الحبشة.
ويقوم الوكيل مقام من قام بتوكيله من ناحية الإيجاب والقبول، ولا يلزم أن يحضر من قام بالتوكيل من الزّوجين، ففي حال قال وليّ المرأة أو وكيله:" زوّجتك ابنتي فلانة "، فإنّ الزوج أو وكيله يقول:" قبلت "، وبالتالي لا يشترط أن يقول الوكيل قبلتها لموكلي، ما دام ينوي في نفسه قبولها لموكّله.
وقد جاء في مواهب الجليل، وهو أحد كتب المالكيّة المعتمدة:" وليقل الوكيل: قبلت لفلان - يعني موكّله - ولو قال قبلت لكفى، إذا نوى بذلك موكّله ". (7)
المراجع(1) بتصرّف عن فتوى رقم 140840/ مذاهب العلماء في صيغة عقد النكاح/13-10-2010/مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب الزواج في ظل الإسلام/ عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف/ الدار السلفية- الكويت/ الطبعة الثالثة.
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 7704/ أركان الزواج/ 22-4-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن الموسوعة الفقهية الكويتية/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.
(5) بتصرّف عن كتاب النكاح والطلاق أو الزواج والفراق/ جابر بن موسى الجزائري/ مطابع الرحاب/ الطبعة الثانية.
(6) بتصرّف عن فتوى رقم 147967/ التوكيل في عقد النكاح وحكم عقده بالهاتف/ 25-1-2011/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(7) بتصرّف عن فتوى رقم 122903/ مسألة حول الوكالة في الزواج/1-6-2009/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
المقالات المتعلقة بكيفية كتابة عقد زواج شرعي