عندما تصبح الفتاة في سنّ مناسب الزّواج تحتار في اتّخاذ القرار المصيريّ الذي سيجمعها برجل واحد في حياتها المُستقبليّة، لذا فإنّها لا بد أن تأخذ وقتاً كافياً للوصول إلى قرار حاسمٍ صائبٍ غير مُتسرّع؛ حتى تبني علاقةً ناجحةً، وأسرةً مُتماسكةً، وأبناءً سُعداء وناجحين.
إنّ اختيار المرأة لشريك حياتها يهدف إلى سدّ حاجات المراة الفطريّة، وتكوين أسرة مُسلمة تقوم على أساس المودّة والرّحمة بين شريكَي الحياة، ولا يتنافى اختيار المراة للرّجل أو التعريض باسمه وصفته ورغبتها في أن يكون شريكاً لحياتها مع تعاليم الشّريعة الإسلاميّة؛ إذ إنّ اختيار المرأة للرّجل حقّ من حقوقها الذي غيّبته الأعراف والتّقاليد، فقد ثبت أنّ السيدة خديجة -رضي الله عنها- عرضت نفسها للزّواج من النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- حيث يذكر عمار بن ياسر -رضي الله عنه- تلك الحادثة حيث روي: (إنَّ عمَّارَ بنَ ياسِرٍ كان إذا سَمِعَ ما يَتحدَّثُ بهِ الناسُ عن تَزْويجِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَدِيجةَ يَقولُ عمَّارُ: أنا من أعلَمِ الناسِ بِتزْويجِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاها، كُنتُ من إِخوانِه، فكُنتُ لهُ خِدْنًا وإلْفًا في الجاهليَّةِ، وإنِّي خرجْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ حتى مَررْنا على أُختِ خدِيجةَ وهِيَ جالِسةٌ على أُدْمٍ لها، فنادَتْنِي فانْصرفْتُ إِليْها، ووَقفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالتْ: أمَا لِصاحِبِكَ في تَزْويجِ خَديجةَ حاجةٌ؟ فأخبرْتُهُ، فقال: بلَى لَعمْرِي، فرَجعتُ إليْها فأخْبرتُها بِما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[١]
والمرأة عندما تختار شريك حياتها وتظهر رغبتها بالاقتران برجل مُعيّن لفضله أو لصلاحه أو لحسن خُلُقه، فهذا لا يعني أنّها زوّجت نفسها منه، إنّما هو اختيار فحسب، فتعرض هذا الاختيار على وليّها أو من تطمئنّ له نفسها، ليكون هذا الاختيار محلّ نقاش ودراسة للأهل واختيار الأفضل، فقد يَخفى عليها أمور يعرفها والدها أو إخوانها، وحتّى تحترم دور والديها في زواجها.
كيف يتم اختيار الزوجقبل اختيارالزوج من قِبَل المرأة ووليّها، يجب عليهما أن يُراعِيا الأُسس والمعايير الآتية حتّى يكون اختيارهما مبنيّاً على أساسٍ متين تقوم عليه حياتهما وتستقرّ بناءً عليه، إذ إنّ الاختيار الصّحيح للزّوجين هو الأساس في قيام الحياة الزوجيّة ودوامها واستمرارها، والإساءة فيه يُؤدّي إلى هدم الرّابطة الزوجيّة حتماً من قبل أحد الزّوجين، وبيان تلك الأسس والمعايير التي يجب مُراعاتها على الزّوجة ووليّها على النحو الآتي: [٢]
الخُلُق والتديّن والالتزاميجب النظر إلى دين الرّجل وأخلاقه، والتزامه بالنهج الرباني، فقيمة الرّجل ومنزلته بعلمه وتديّنه؛ حيث إنّه كلّما ازداد دينه وخُلقه وقربه من الله ازداد اهتمامه وعنايته بزوجته وأبنائه وحفظه لحقوقها وحقوقهم، وقامت الأسرة على الفضيلة والمحبّة والمودّة، وكلّما ابتعد الرّجل في الخُلُق والدّين والالتزام عمّا شرعه الله ونصّ عليه من أخلاق فإنه سيزيد ظُلماً للزّوجة ويتعدّى على حقوقها، وربما أساء إليها ولم يُحسن معاشرتها، ثم تخرج الأسرة فاسدةً عالةً على المُجتمع الإسلاميّ، بؤرةً في إفساده وخرابه، ودليل ذلك ما ورد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حيث قال: (إذا خَطَب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه فزَوِّجُوه، إلا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ)،[٣] وفي هذا الحديث النبويّ الشّريف تأكيد وإشارةٌ ودلالةٌ على وجوب مُراعاة الدين والخُلق عند الرّجل أذا طلب الزّواج؛ لأن ذلك أدعى لمُراعاة حقوق شريكة حياته والحفاظ عليها، ويجب التّأكيد أنّ الحديث قد اشترط وجود الخُلُق والدين كليهما، ولم يذكر أحدهما منعزلاً عن الآخر، فلا يكتمل دينٌ بلا خلق، ولا نفع في خلقٍ بلا دين.
الاستطاعةيُقصد بالاستطاعة هنا القدرة على الزّواج، والقيام بشؤون الأسرة، وتلبية احتياجاتها وتدبير أمورها، وما تتمّ به المُعاشرة بين الزّوجين بالمعروف، ويدخل في هذا القدرة الجسدية والجنسيّة، إذ إنّ ذلك من أولى أولويّات الزّواج في إعفاف الزّوجة من الوقوع في الحرام، والقدرة الماليّة ليستطيع الرّجل الإنفاق على زوجته وأطفاله، والقيام بواجبه من القوامة التي أوجبها عليه الله -سبحانه وتعالى- حيث قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)،[٤] والقدرة النفسيّة والقدرة التربويّة ليستطيع بذلك إنشاء أسرته على الفضيلة وعلى الأخلاق القويمة، ويكون أبناؤه وبناته فاعلين في المُجتمع المسلم لا عالةً عليه، ودليل تلك الأمور التي ذُكرت سابقاً قول رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، فعن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ فعليه بالصّومِ فإنه له وجاءٌ)،[٥] وقد ركّز رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- في هذا الحديث على من يملك القدرة على الزّواج بشكلٍ عام؛ سواء في ذلك القدرة الماليّة، أو الجسديّة، أو الجنسيّة، فإن توفّرت له القدرة فليتزوّج، وليس المقصود بالقدرة الماليّة التكلّف الزّائد فوق الاستطاعة، ولا يُقصَد بها أيضاً الغنى الفاحش، وإنّما المقصود بها القيام بمُتطلّبات الحياة الزوجيّة، وتأمين الحاجات الضروريّة للأسرة من مأكلٍ ومشرب ومسكن ولو بالحد الأدنى منها، ويرجع ذلك للعرف.
الجمال وحُسن الخِلقةالمقصود بالجمال وحُسن الخِلقة للرجل أن يكون مظهره مقبولاً، وليس المقصود أن يكون على درجة كبيرة من الحُسن والجمال، وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يُعدّ الجمال والوسامة عند الرجل بذاته من مُتطلّبات عقد الزّواج؛ فلا تقبل الزّوجة من الرّجال إلا الوسيم، ولكن الفطرة السّليمة تقتضي أنّ النّفس تميل للحَسَن والجميل في كل شيءٍ، فكان ذلك في الزّواج أحرى وأشدّ؛ إذ إنّه رابطةٌ وثيقةٌ بين اثنين يستمرّ غالباً إلى الوفاة، وحتّى تنشأ الحياة بشكلٍ هانئ مُستقرّ يجب أن يتوفرّ عنصر الجمال في كليهما كي يقبلا بعضهما ويستطيعا التعايش والاندماج معاً، ومن الجدير بالذّكر أنّ الجمال ليس فقط بجمال الخِلقة وحسن الصّورة، فربما كان أحد الأشخاص من الرّجال أو النّساء بشعاً في شكله جميلاً في روحه، ومثال ذلك الصحابيّ الجليل جُليبيب -رضي الله عنه- بخلقته الذّميمة الذي زوّجه رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بأجمل نساء أهل المدينة، وفي ذلك قصة طويلة.
المراجعالمقالات المتعلقة بكيف يتم اختيار الزوج