لا شكّ أن عقوق الوالدين هي ظاهرة انتشرت في هذا الزمن، تعددت أشكال هذا العقوق وألوانه؛ ليدل بذلك على انحراف كبير وخطير عن الشريعة في المجتمعات الإسلامية، فالشريعة الإسلامية التي شرّعها الله -سبحانه وتعالى- على نبيه وعلى المسلمين أوصت بضرورة برّ الوالدين، وذلك أنّ رضا الله -عزّ وجل- من رضا الوالدين، وسخطه -عز وجل- من سخط الوالدين، وقد جاء هذا الأمر واضحًا في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان قد قال فيه: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد"، وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- الذي كان قد نوّه فيه أنّ الجنة تحت أقدام الأمهات، والذي يفهم من خلاله أنّ الجنة لا يدخلها عاقٌ أبدًا، وقد شدّدّ الإسلام العظيم على قضية بر الوالدين، وجعلها سببًا في دخول الجنّة، ونهى عن قضية عقوق الوالدين، وجعلها سببًا في دخول جهنم والعياذ بالله، وذلك لما للوالدين من فضلٍ على الأبناء، فقد كدّوا وتعبوا في الحياة ووقفوا مواجهين لضنكها وصعوبتها من أجل أبنائهم، فكان أن جعل الله الجنة بطاعتهم والنار بمعصيتهم، ولكن بضوابط معينة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولعلّ هناك كثير من القصص التي تروي حال العقوق الوالدين، نروي منها هذه القصة التي وردت في كتاب "العائدون إلى الله"، والذي يرويها شاب، يقول عن نفسه أنّ والده كان قد توفي وهو صغير، فعكفت أمّه على رعايته، فأخذت تعمل وتكدّ وتتعب من أجله حتّى أدخلته المدرسة، وعندما كان قد أنهى دراسته الجامعية حتّى حصل على بعثة خارجية يقول هذا الشاب أنّ أمّه كانت قد تمنت له الخير والتوفيق، وتوسلت إليه ألّا يقطعها من أخباره، فذهب، وعندما رجع كانت الثقافة والحضارة الغربية قد تملكته، وفكره الدين رأى فيه التخلف والرجعية، يقول هذا الشاب فأصبح لا يرى في الحياة إلّا الحياة المادية، بعد أن تحصل على وظيفة ممتازة، كانت هذه الوظيفة ذات دخلٍ عالٍ، فأرادت أمّه أن تزوّجه فاختارت له فتاة متدينة إلّا أنّه كان قد رفض الزواج منها؛ وذلك أنّه كان يبحث عن الجمال والمال، فتزوج فتاةً جميلةً من أسرةٍ غنيةٍ تسببت هذه الفتاة بعد ذلك بطرد أمه من البيت، وذلك بعد أن كانت قد خيّرت زوجها بينها وبين أمه، فما كان منه إلّا أن طرد أمّه من البيت، فخرجت أمّه تتمنى له السعادة، مع أنّه كان قد طردها، واستمرّ بعد ذلك في حياته إلى أن أصيب بمرضٍ خبيث، فمكث في المستشفى فترة من الزمن، وعندما علمت أمّه بالخبر أتت لزيارته، فقامت زوجته بطردها، الأمر الذي زاد من حالته سوءًا وتسبب في فقدانه وظيفته وبيته، وتراكمت الديون عليه حتّى قامت زوجته بإعلانها صراحةً أنّها لا تريده بعد أن فقد مكانته المجتمعية، فقام بالطلاق منها وأخذ يبحث بعد ذلك عن أمّه التي وجدها في أحد الطرق تتسول الطعام، فرمى بنفسه عند قدميها باكيًا طالبًا منها السماح، فما كان منها إلّا أن بادلته البكاء وسامحته على ما فعل، فهذا قلب الأم التي قال -صلى الله عليه وسلم- في شأنها "جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات".
من آثار العقوق أنّه موجب للشقاء والتعب والآثار السيئة التي تكمن أخطرها في دعوة الوالدين على الولد العاق بهما، فقد جاء في الحديث النبوي "إياكم ودعوة الوالد فإنّها أحدّ من السيف".
المقالات المتعلقة بحوار عن عقوق الوالدين