الثّبات على الدّين جعل الله سبحانه وتعالى الحياة الدّنيا دار ابتلاء واختبار للإنسان، فمن أطاع الله فيها وأصلح كان من الفائزين برضا الله والجنّة، ومن عصا الله وأفسد في الأرض باء بسخطٍ من الله ودخل النّار، ومن ضمن الاختبارات التي تُواجه الإنسان في هذه الحياة الدّنيا الفتن الّتي تظهر للنّاس بين الحين والآخر مُسبّبةً كثيراً من الحيرة والتخبّط للإنسان في كيفيّة الاستدلال على الطّريق الصّحيح والمنهج السّليم في التّعامل مع أمور الحياة وتقلّباتها.
أساليب الثّبات على الدّين بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام في الأحاديث النّبويّة الشّريفة أنّ الفتن تكثر عند اقتراب السّاعة حتّى تصبح كقطع اللّيل المظلم، وحتّى يصبح الإنسان مؤمناً ويمسي كافراً، وحتّى يغدو الثّابت على الدّين كالقابض على الجمر من صعوبة هذا الأمر، وقد أرشد النّبي عليه الصّلاة والسّلام إلى منهجٍ واضح وأساليب ناجعة للثّبات على الدّين نذكر منها:
- لزوم الجماعة؛ فالجماعة والاجتماع من الأمور التي تُعين المسلم على الثّبات على دينه، وقد بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام فائدة لزوم الجماعة في حماية الفرد المسلم وإكساب المجتمع القوّة والمنعة اتجاه الفتن والمخاطر، فالذئب يهاجم من القطيع الغنمة القاصية البعيدة التي تنفرد بنفسها بعيداً عن أقرانها.
- لزوم البيوت ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً وخاصّةً إذا كثرت الفتن بشكلٍ يؤذي المسلم ويؤثّر في عبادته لربّه وطاعته له سبحانه، وفي الحديث الصّحيح عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قوله (كونوا أحلاس بيوتكم)، وفي الحديث الآخر المتّفق على صحته (يوشِكُ أن يَكونَ خيرُ مالِ المسلِمِ غنمًا يتبعُ بِها شَعَفَ الجبالِ ومواقعَ القطرِ يفرُّ بدينِهِ منَ الفتنِ) .
- مصاحبة أهل التّقوى والصّلاح، فالمرء على دين خليله كما ذكر النّبي الكريم، وإنّ من شأن مصاحبة المتّقين ومجالستهم أن تعين المسلم على الثّبات على دينه من خلال التّواصي بالحقّ والنّصيحة في الدّين، والتّذكير بالآخرة بالكلام الطّيب والموعظة الحسنة، قال تعالى (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر).
- الدّعاء، فالدّعاء وذكر الله تعالى من أنفع الوسائل في الثّبات على الدّين عندما تدلهم الخطوب وتجتمع الفتن، ومن الأدعية المأثورة في ذلك (اللهم يا مقلّب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك)، وترديد الدّعاء الوارد في القرآن الكريم في قوله تعالى (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
- اجتناب أهل المعاصي ورفقاء السّوء؛ فمن أكثر الأمور التي تؤثّر على عقيدة المسلم والتزامه رفقة السّوء الذين يزيّنون الباطل للنّاس، وليس بخافٍ على أحدٍ منّا كثرة أهل المعاصي الذين يجاهرون بمنكراتهم بين النّاس في عصرنا الحاضر مسبّبين الفتنة للمسلمين.
- إشغال النّفس بالأمور المباحة؛ فقد أباحت الشّريعة الإسلامية اللّهو المباح الذي لا يتخلّله المنكر من رياضةٍ وترفيه وغير ذلك، وإنّ كل ذلك مما يروّح عن النّفس ويعينها على الطّاعة والعبادة ويثبّتها على الدّين.