مفهوم الشعر عند العرب

مفهوم الشعر عند العرب

بداية رحلة الشعر

بدأ الشّعر العربي رحلته في صورةِ مقطوعاتٍ صغيرة، أو أبيات قليلة العدد، يرتجلها الشّاعر في مُناسبات طارئة، وفي حوادث أثّرت فيه جداً، ليعبر من خلالها عن انطباعات سريعة مؤقتة، كالفرح، أو الحزن، أو الفخر، أو أن يأتي كردّة فعل لكلام قد سمعه، أو موقف قد وَقع به، فيقول فيه شعراً ليلفت به نظر من حوله إليه، ويبدي لهم من خِلاله عن فطنته، وحكمته، وفصاحة لسانه، وحُضور بديهته، وهَذه كانت مواصفات أكثر الشّعراء العرب.

بعد ذلك، استئنف الشّعر مسيرته في التطور، فأخذ الشعراء يطيلون في مقطوعاتهم، ويزيدون في عدد أبياتها، حتى تكاملت لنا القصيدة في صورته المعروفة، ومن الأمثلة عليها: قصيدة المهلل في وصف حرب البسوس، وكان ذلك في القرن الخامس الميلادي، والذي برز فيه عدد من أعلام الشعر في تلك الفترة أمثال: امرؤ القيس، وعلقمة التغلبي، والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وطرفة بن العبد، والذين كان لهم الدور الأكبر في إرساء البناء الفني الثابت للقصيدة العربية، وتأصيل قواعدها، ومقوماتها الفنية، حيث أخذت القصيدة على أيديهم صورتها التقليدية، والتي امتدت على امتداد العصر الكلاسيكي في تاريخ الشعر العربي.

مفهوم الشعر عند العرب

تفاوت العرب من النقّاد، والأدباء، والشعراء في رأيهم حول مفهوم الشعر، فكلٌّ أبحر في تعريفه بما وقع منه في خاطره، وفي الجَانب الّذي رغب في إيقاعه بنفس غيره، وكان من ضمن هذه المفاهيم للشعر:

  • ابن رشيق: اجتمع الناس على أنّ المنثور في كلامهم أكثر، وأقلّ جيداً محفوظاً، وأن الشعر أقل، وأكثر جيداً محفوظاً؛ لأن في أدناه من زينة الوزن، والقافية ما يُقارب به جيد المنثور. يصف ابن رشيق الشّعر أكثر رتابة، وتأثيراً في نفوس العرب من النثر الذي تكلموا به كثيراً، فلم يحفظوا من النثر عشره، ولم يضيع من الشعر عشره، وهذه دلالة أكيدة على المبلغ العظيم الذي وصله الشعر عند العرب في ذلك الوقت.
  • معاوية ابن أبي سفيان: " ما منعك أن ترويه الشعر؟ فوالله إن كان العاق ليرويه فيبر، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه ليقاتل". هنا يدلل معاوية ابن أبي سفيان على قوة تأثير الشعر في نفس قائله، فهو قادر عَلى قلب شخصيته رأساً على عقب، فيقلب العاق بوالديه باراً، والجبان شجاعاً، مقاتلاً، والبخيل كريماً، ومعطاءً.
  • قدامة بن جعفر: الشعر كلام موزون، ومقفى، دال على المعنى، ويحتاج إلى ضبط؛ في هذا التعريف دل ابن قدامة على عنصرين من عناصر الشعر، وهي اللفظ، والمعنى، وذلك لأن الوزن، والقافية هي سمة الكلام في الشعر، أي من خصائصه الأساسية لكي يفرق به عن النثر.
  • ابن طباطبا: الشعر كلام موزون، ومقفى وله معنى بائن عن المنثور الذي يستخدمه الناس في مخاطباتهم اليومية، وهنا يوضّح ابن طباطبا في تعريفه عناصر الشعر ومقوماته وإن بدت بسيطة، وبمعنى آخر فتعريفه للشعر أكثر دقة، وشمولية من تعريف ابن قدامة للشعر.
  • الجرجاني: أنا أقول -أيدك الله -إن الشعر علم من علوم العرب، يشترك فيه الطبع، والرواية، والذكاء؛ هنا إشارة واضحة في توضيح مفهوم الشعر لدى الجرجاني أنّ الشعر جمع صفات العرب، ودل عليها، فهو يصف طبعهم ( الكرم، والقوة، والشجاعة، وما إلى ذلك)، وأسلوبهم في روايته (القافية، والوزن، والعناصر الأدبية المكونة له)، والفطنة، والفصاحة، والجزالة، وحضور البديهة في ارتجاله، وإنشاده.

المقالات المتعلقة بمفهوم الشعر عند العرب