محتويات
- ١ الجنين في الفقه الإسلامي
- ٢ معنى الجنين
- ٣ وقت نفخ الرّوح في الجنين
- ٤ الجنين في القرآن الكريم
- ٥ المراجع
الجنين في الفقه الإسلامي كرَّم الله الإنسان على بقية الخلق بأن جعل له عقلاً يُميِّز به الأشياء، كما أنه تباركت أسماؤه قد خلقه بأبهى صورة ليتم التكريم ويكتمل، ثم جعله خليفةً في الأرض يعمرها وفق ضوابط كونيّة وشرعيّة، فإنْ هو خالف أحد تلك الضوابط فقد عرَّض نفسه لعقاب الله وسَخَطه، وقد أوجب المولى عزّ وجل لكل مخلوقٍ من عبيده حقوقاً تكفَّل بتأمينها وفق نظامٍ لا ظلم فيه ولا هضم، فمن تعرّض لحقٍ من تلك الحقوق الموهوبة لخلق الله دون وجه حق فقد اعتدى على حرمات الله وظلم نفسه ظلماً عظيماً، وللإنسان حقوقٌ منذ خلقه وهو جنين في طور التشكل والنمو في بطن أمه ومن العلماء من قال: إنّ حقوق الجنين تثبت بنفخ روحه، فما تعريف الجنين؟ ومتى تُنفخ الروح فيه؟ ذلك ما سيُجاب عنه بعون الله.
معنى الجنين الجنين: مأخوذ من الاستتار، يُقال جَنَّهُ الليل يجُنُّه جَنَّاً وجَنَّ عليه جَنَّاً وجُنوناً وأجَنَّه الليل أي: سَتَرَه وهذا أصل المعنى،[١] وكل شيء يستر عنك فقد جَنَّ عنك، وبه سمي الجِنِّي لاستتاره واختفائه عن الأبصار، والجَنين: الولد ما دام في بطن أمه لاستتاره فيه، وقيل كل مستور جنين حتى إنهم ليقولون حقدٌ جنين.[٢] وعرَّف الشافعية الجنين بأنه: اسم للولد ما دام في البطن.[٣]
وقت نفخ الرّوح في الجنين اختلف العلماء في الوقت الذي تنفخ فيه الرّوح في الجنين على عدة أقول وذلك على النحو الآتي:
- ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة[٤] والمالكية[٥] والشافعية[٦] والحنابلة والظاهرية:[٧] إلى أنَّ الروح تُنفخ في الجنين بعد مئة وعشرين يوماً أو بعد الأربعين الثالثة الواردة في حديث عبد الله بن مسعود قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يوماً ثمَّ يَكونُ في ذلك عَلقةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يرسلُ الملَكُ فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربعٍ، كلِماتٍ: بكَتبِ رزقِهُ وأجلِهُ وعملهُ وشقيٌّ أو سعيد).[٨]
وجه الاستدلال: دلَّ الحديث الشَّريف على أنَّ مُدة كل مرحلةٍ من مراحل خَلق الجنين الثلاثة (نُطفة، عَلَقة، مُضغَة) هي أربعون يوماً، فيكون نفخُ الروح بعد تمام المرحلة الثالثة أي بعد مرور مئة وعشرين يوماً.
- ذهب ابن عباس وابن رجب الحنبلي في رواية عن الإمام أحمد إلى أنَّ الروح تُنفَخ في الأيام العشرة بعد تمام الأربعة أشهر الأولى من الحمل والدخول في الخامس أي بعد مئة وثلاثين يوماً، واستدلوا على قولهم بعدة المتوفى عنها زوجها، قال ابن المُسيّب لما سُئِل عن عدة الوفاة حيث جُعِلت أربعة أشهر وعشراً: ما بال العَشر؟ قال: يُنفَخُ فيها الروح.[٩]
- ذهب فريقٌ من العلماء منهم الدكتور محمد علي البار، والدكتور شرف القضاة، والدكتور عبد الجواد الصاوي إلى أن الروح تُنفَخُ في الجنين بعد الأربعين الأولى،[١٠] وقد استدلوا على قولهم بما يلي:
قوله تعالى:
(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ)[١١] ففي الآية إشارةٌ إلى أنَّ الرُّوح تُنفخ بعد التَّسوية والتعديل والاستقامة، وهذه التسوية إنما تكون في الأسبوع السادس والسابع، حيث يبدأ في هذه الفترة اعتدالٌ مَلحوظٌ في تَقَوّس الجسم، فيبدأ الجذع والرقبة بالتَّقَوُّم، وفي الأسبوع السابع يتحدد مَصير الجنين من حيث السّواء أو التشوه، فإما أن يكون مُشَوّهاً أو سَويّاً سليماً.[١٠]
الحديث الذي أورده البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ في بطنِ أُمِّهِ أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثلَ ذلك، ثم يبعثُ اللهُ مَلَكًا فيُؤمَرُ بأربعةٍ: برزقِه وأجَلِه، وشقيٌّ أو سعيدٌ، فواللهِ إنَّ أحدَكم - أو: الرجلُ - يعملُ بعملِ أهلِ النارِ، حتى ما يكونُ بينَه وبينها غيرَ باعٍ أو ذراعٍ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيدخُلَها، وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، حتى ما يكونُ بينَه وبينها غيرَ ذراعٍ أو ذراعيْنِ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ فيدخُلَها).[١٢]وجه الاستدلال: يشير الحديث إلى أن الكتابة ونفخ الروح متلازمان فهما يحدثان معاً،[١٠] فيرسل الملك ويكتب القدر وينفخ فيه الروح، ومعلومٌ أيضاً أن مرحلة النطفة والعلقة والمضغة تتم كلها في الأربعين الأولى، واستدلوا على ذلك من قوله تعالى:
(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا)[١٣] فإذا كانت المضغة في الأربعين الثالثة كانت العظام في الشهر الخامس، وهذا خطأ علمي جسيم فإنه ثبت من خلال التشريح للأجنة أن العظام تتشكل في الشهر الثاني وليس في الشهر الخامس.[١٤]
الجنين في القرآن الكريم الآيات التي وردت في الحديث عن خلق الإنسان ومراحله كثيرةٌ، إلا أنه لم يرد في القرآن الكريم لفظ الجنين صراحةً إلا مرةً واحدةً بصيغة الجمع وذلك في قوله تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)،[١٥] وكان محور حديث بقية الآيات حول أطوار تخلُّق الإنسان والمراحل التي يمر بها في تلك الحقبة الزمنية من حياة الإنسان، ومن الآيات التي ذكرت كيفية تكوين الجنين:
- قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[١٦] في هذه الآيات تظهر بداية خلق الإنسان وأصله الذي خلقه الله منه وهو الطين الذي خلق الله منه آدم، ويعقبها سبحانه عز وجل بتلك المراحل التي يمر بها أي إنسان على ظهر الأرض.
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ).[١٧]
- قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)[١٨]، وكذلك باللفظ نفسه تقريباً قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)[١٩]
- قوله تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى).[٢٠]
المراجع ↑ محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (1987)، تاج العروس من جواهر القاموس (الطبعة الثانية)، الكويت: مطبعة حكومة الكويت، صفحة 364، جزء 34. بتصرّف. ↑ إسماعيل بن حماد الجوهري (1990م)، الصحاح (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 2093، جزء 5. بتصرّف. ↑ شهاب الدين أحمد بن أحمد قليوبي، شهاب الدين أحمد البرسلي عميرة (1956)، حاشيتا قليوبي وعميرة (الطبعة الثالثة)، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، صفحة 380، جزء 4. ↑ ابن عابدين (1995)، حاشية رد المحتار على الدر المختار، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 302، جزء 1. ↑ شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (1994)، الذخيرة، بيروت: دار الغرب الإسلامي، صفحة 470، جزء 2. بتصرّف. ↑ محي الدين يحيى بن شرف النووي، المجموع، بيروت: دار الفكر، صفحة 216، جزء 5. ↑ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (2009)، المحلى شرح المجلى (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 302، جزء 11. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم: 4719. ↑ ابن رجب الحنبلي (1991)، جامع العلوم والحكم، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 69-70. ^ أ ب ت شرف محمود القضاة (1990)، متى تنفخ الروح في الجنين، عمان - الأردن: دار الفرقان، صفحة 42-65. بتصرّف. ↑ سورة السجدة، آية: 9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 4719. ↑ سورة المؤمنون، آية: 14. ↑ شرف محمود القضاة (1991)، الحديث النبوي الشريف شرح سبعة وثلاثين حديثاً (الطبعة الثانية)، عمان - الأردن: دار الفرقان، صفحة 44. ↑ سورة النجم، آية: 32. ↑ سورة المؤمنون، آية: 12-14. ↑ سورة الحج، آية: 5. ↑ سورة النحل، آية: 4. ↑ سورة يس، آية: 77. ↑ سورة القيامة، آية: 37-39.