كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء الفجر نهض من نومه وتوضاً وذكر ذكراً من أذكار الصباح إذ كان يقول (أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين) وذهب إلى المسجد ليصلي الفجر بأصحابه، ثمّ يبقى في المسجد وفي مصلاه يذكر الله عزوجل حتّى طلوع الشمس، كان النبي يجالس أصحابه ويتكلّم ويبتسم معهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صلاة الضحى وكان سيدنا محمّد يصليها أربع ركعات وأكثر فعن عائشة أمّ المؤمنين أنّها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ).
أمّا حياة النبي عليه الصلاة والسلام في بيته الطاهركان يقوم بعمل بيته وقد سئلت عائشة أم المؤمنين عما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته فقالت (كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ)، إذ كان كلّ يوم يحلب شاته ويخدم نفسه ويقوم بتفلية ثوبه ويقوم بخصف نعله، ويعمل ما يعمله الرجال في بيوتهم فإذا قرب موعد الصلاة ترك كلّ شيء وذهب إلى الصلاة ليصلي بالناس، ثمّ جلس إلى الناس وأصحابه يحدثهم ويعلمهم ويقوم بوعظهم وذكّرهم بالله واستمع إلى مشاكلهم و شكواهم وأصلح ذات البين بينهم ، ثمّ بعد ذلك يعود إلى بيته وزوجه وكان عليه افضل الصلاة والتسليم لايعيب طعام ابداً بل كان يأكله أو يتركه حيث قال أبو هريرة رضي الله عنه في ذلك (مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ).
كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد اصحابه في أمر وأراد أن يجمع المسلمين لخطب ما أمر المنادي أن ينادي بهم للصلاة جامعة ثمّ يكلّمهم بعد ذلك عما أراده منهم فإذا أراد أن يرسل مبعوثاً بعثه وإذا أراد أن يتلو عليهم شي قام بتلاوته، ووإن أراد أن يخبرهم بتشريع ما أخبرهم به وإن أراد أن يجهّز غزوة قام بإخبارهم وأمرهم بتجهيزها.
أمّا في منتصف النهار وبعد صلاة الظهر كان الرسول يُقيل نصف النهار لتعينه على قيام الليل وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك: (قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ) وكان عليه الصلاة والسلام يتفقّد الناس باستمرار في معاشهم و في أسواقهم في معاملاتهم، ويفاجئهم في مجالسهم بالجلوس معهم ويعود ويزور المرضى ويدعوا لهم ، ويستمع ويلبي حاجة المسكين و الضعيف، فكان عليه الصلاة والسلام يكون عامة اليوم الذي يقضيه من تشريع ومعاملة ودين ومن دعوة وتذكير ونصح وجهاد ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويعين المحتاج، وكان يُكثر من الذكر، ويطيل في الصلاة، ويقلّ اللغو، ويقصر في الخطبة، حيث قال عبدالله بن أبي أوفى: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ).
إذا جاء الليل صلى صلاة العشاء بالمسلمين ثمّ يجلس مع كبار الصحابة رضوان الله عليهم وبعد ذلك يذهب إلى أهله وسمر معهم وقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُ) حيث كان الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم جميل العشرة حيث قال ابن كثير رحمه الله: (كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنّه جميل العِشْرَة، دائم البِشْرِ، ويداعب أهله، ويَتَلَطَّفُ بهم ) وكان كلّ ليلة يجتمع مع نسائه في البيت الذي سيبيت فيه الرسول ويتحدّث معهنّ.
كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ينام أوّل الليل، ثمّ يقوم ليصلي قيام الليل حتى يسمع صوت بلال يؤذّن فيصلي ركعتين ثمّ يخرج للمسجد لصلاة الفجر وهو يذكر الله في أذكار الصباح. لم تكن حياة الرسول روتيناً مملاً رتيباً بل كانت عمل مباركاً وهدياً قاصداً حيث قال الله تعالى في كتابه العزي: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ومن هذه الآية الكريمة نفهم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو التنفيذ والتأويل الواقعيّ لأوامر الله عزوجل، وقالت عائشة رضي الله عنها: (إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ).
المقالات المتعلقة بكيف كانت حياة الرسول