حجّة الوداع لقد حجّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام مرّةً واحدةً في عمره، وهي الحجّة المعروفة بحجّة الوداع، وسمّيت بذلك لأنّه عليه الصّلاة والسّلام مات بعدها بحوالي ثلاثة أشهر، وقد خطب في المؤمنين خطبة مودّع، وجاءت هذه الحجّة بعد أن أتمّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام الدّعوة، وبلّغ الرّسالة، وقام ببناء مجتمع جديد قائم على أساس الإيمان بالله تعالى، وعدم الإشراك به، وقد بدأ الرّسول عليه الصّلاة والسلام يتهيّأ لهذه الحجّة العظيمة يوم السّبت الموافق الخامس والعشرين من ذي القعدة في العام العاشر للهجرة.
كيفيّة حجّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم - أعلن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه ينوي الحجّ، حيث بدأ المسلمون بالتّوافد إلى المدينة المنوّرة حيث يعيش الرّسول عليه الصّلاة والسّلام رغبةً منهم أن يأتمّوا به عليه الصّلاة والسّلام في هذا الحجّ العظيم، وقدّ ادّهن عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ لبس الإزار والرّداء، وانطلق بعد الظّهر متّجهاً إلى مكّة، وعند وصوله إلى منطقة ذي الحليفة أدّى صلاة العصر ركعتَين، وبقي هناك حتّى الصّباح، ثمّ خاطب الصّحابة قائلاً لهم: "أتاني الّليلة آتٍ من ربّي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجّة".
- اغتسل بغرض الإحرام، ثمّ تطيّب بالمسك، ولبس إزاره ورداءه، ثمّ قام بأداء صلاة الظّهر ركعتَين، وأثناء وجوده في المصلّى أهلّ وقرن بالحجّ والعمرة، وحجّ قائلاً "لبّيك الّلهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد، والنّعمة، لك والملك، لا شريك لك"، ثمّ تحرّك حتّى اقترب وصوله إلى مكّة المكرّمة، وقد وصل ذي طوى وبقي فيها ليلةً، وفي الصّباح صلّى صلاة الفجر، ثمّ اغتسل، وكان ذلك يوم أحد في اليوم الرّابع من ذي الحجة للعام العاشر للهجرة.
- عند دخوله عليه الصّلاة والسّلام إلى مكّة، استلم الحجر الأسود، وسمّى الله، ثمّ كبّر، وبدأ بالطّواف، حيث طاف سبعة أشواط، رمل في ثلاثة منها، وكان يقول بين الرّكنين اليمانيين، "ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار، وبعدها أتى إلى مقام ابراهيم، وصلّى عليه الصّلاة والسّلام ركعتيَن قرأ في الرّكعة الأولى سورة الكافرون، وفي الثّانية سورة الإخلاص، والظّاهر أنّه جهر بالرّكعتَين، ولكن جهراً يسيراً لأنّ الصّحابة عرفوا السّور من قراءته، ثمّ ذهب إلى ماء زمزم وشرب منه، وعاد للحجر واستلمه.
- توجّه إلى الصّفا واستقبل الكعبة وقال: "لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، ولا إله إلّا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده"، ثمّ رفع يديه للدّعاء، وقد كرّر ذلك ثلاث مرّات، وبعدها اتّجه إلى المروة حيث كرّر ما ذكره أثناء وقوفه على الصّفا من أذكار، وكرّر الأذكار ثلاث مرّات وقد سعى بين الصّفا والمروة سبع مرّات، وبعد أن انتهى من السّعي لم يقم بإزالة لباس الإحرام بل بقي على إحرامه؛ لأنّه أحضر عليه الصّلاة والسّلام معه الهدي.
- يوم التّروية: هو اليوم الذي انطلق فيه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى منى، حيث مكث فيها وصلّى الفروض الخمس، وكان ذلك قبل يومَين من اليوم العاشر لشهر ذي الحجّة، وقد كانت آخر الفروض التي صلّاها في منى هي صلاة الفجر، حيث بقي حتّى طلوع الشّمس، ثمّ نزل في نمرة حتّى زوال الشّمس.
- قبل صلاة الظّهر قام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وخطب بالنّاس الخطبة المعروفة بخطبة الوداع، وبعد أن انتهى من الخطبة، نزل الوحي عليه بقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، (سورة المائدة، الآية: 3)، وبعد ذلك أذّن بلال وصلّوا صلاة الظّهر، ثمّ صلاة العصر، وبعدها بدأ الوقوف بعرفة وبقي واقفاً حتّى غروب الشّمس، وذهاب الصّفرة بشكل قليل، أي غياب قرص الشّمس.
- بعد الوقوف بعرفة ذهب إلى المزدلفة، وأدّى هناك صلاة المغرب ثمّ العشاء بنفس الأذان، ولكن كلّ صلاة بإقامة، ثمّ اضطجع حتّى طلع الفجر، حيث أدّى صلاة الفجر، وبعدها ذهب إلى المشعر الحرام، وهناك استقبل القبلة، ودعا وكبّر، وهلّل، ووحّد.
- بعد المزدلفة عاد إلى منى قبل طلوع الشّمس، ثمّ ذهب إلى الجمرة عند الشّجرة، وهي التي تسمّى بالجمرة الكبرى، وكان عندها شجرة في ذلك الوقت تسمّى جمرة العقبة أيضاً، وهناك رمى سبع حصيات، وكان يقول الله أكبر مع رميه لكلّ حصاة.
- توجّه إلى المنحر، وهناك نحر مائة ذبيحة، ثلاث وستّين منها بيده، وأكمل الباقي عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وقد أكل من هذا الهدي، وشاركه في ذلك عليّ.
- الإفاضة، حيث عاد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى الكعبة وصلّى في مكّة، وشرب ماء زمزم، ثمّ خطب خطبةً أخرى، وأقام أيّام التّشريق في منى، وبعدها كان يوم النّفر الثّاني حيث نزل بخيف بني كنانة، وبقي طيلة اليوم والّليل، حيث صلّى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء، وبعدها توجّه إلى البيت وطاف بالكعبة طواف الوداع، وأمر النّاس، وبعد أن أنهى مناسكه اتّجه إلى المدينة المنوّرة.