كان العرب الأوائل يعيشون في بداوة جلفة تقوم على الغزو الغارة، فلا يأمن العربي في موطن له في حين من الأحيان إلا وكان يترقب ويترصد الغارة من القبيلة الأخرى، فكانت جل اقتصادهم يقوم بدرجة أولى على الغارات على الآخرين من العرب، فلما أتى الإسلام أوقف هذا التناحر ليكونوا أمة واحدة شهداء على الناس ففرض زكاة المال لكي يتداول المال من جديد مما أسس نظام الدولة الحديثة في أن جعل المال دولة لا يحتكر لأحد مما يعطي الفقراء فرصة العمل والأغنياء فرصة زيادة الغنى فالمال حينما يستثمر يزداد وحينما يحتكر يقل بتوارد السنين عليه. فكانت زكاة المال ركنًا من اركان الاسلام لا يصح الإسلام بغيرها حكمها حكم الصلاة والشهادتين.
قد يستغرب كثير من النّاس بأن الزكاة مفروضة فرض الصلاة، ويكون كلامهم كلّه بأنّ هذا المال لي من حقي أن أفعل به ما أشاء وقت ما أشاء، وما لي بالفقراء والمساكين والضعفة، ولكن لقلّة نظرهم ظنوا أنّ الزكاة تنقص مالهم، وتبتر قطعة كبيرة منه، ولكن هذا فعليّاً في علم الإقتصاد غير صحيح؛ لأنّ الجزء المبتور من المال يكون بعد مرور عام قمري كامل عليه فالمال خلال ذلكم العام اصيب بتلف كبير في المجتمع وذلك يؤثر سلبيا في ارتفاع السلع المبيعة والمنتجات الموجودة وبالتالي يزداد عرض المنتجات إلى طلبها في السوق بسبب ارتفاع سعرها لأن جزء كبير من الثروة مكدس يشبه أثاث البيت الذي لا يجدد في حين أن الدولة غير قادرة على إصدار بدل عنه أو منه.
في العالم الغربي يلجأ الاقتصاديون إلى حيلة ذكيّة على النّاس بإصدار سندات كل عام والآخر من الدّولة بالادّعاء أنّها ستزيد ثروتهم بنسبة معينة عن المبلغ الذي أودعوه في حين أن الدولة تأخذ السندات والمال في عرض عال وطلب قليل ولكنها تعيدها في عرض منخفض وطلب كبير وبالتالي فإن المال الذي أخذ زيادة هو فعليا مال لا قيمة له ولا معنى بل يذهب جراء ارتفاع الأسعار من جديد عن طريق الإلزام الحكومي.
هذه المشكلة قام الإسلام بوضع حل عادل ووسطي لها، فكلّما تكدس المال فترة من الزمن أجبر الإسلام متبعيه على إخراج جزء يعادل 2.5% من القيمة المكدسة، وهذه القيمة التي تخرج تذهب فقط للفقراء والمساكين وابن السبيل ومن كان لهم بها حاجة ولا تذهب إلى الأغنياء وبالتالي الحصول على مستهلكين جدد لبضاعة يملكها صاحب المال المكدس فتزيد ثروته خلال العام بعد أن قدم 2.5% من ثروته للفقراء والمساكين آخر عامه الذي انصرم، وفي هذا حكمة كبيرة فهو قلل نسبة العرض المؤذية لبضاعته عن طريقة تقديم حملة صغيرة جدًا للمجتمع فأوفى بذمته وحقق ربحه المراد وأيضًا ساهم في تخفيف نفقته من التجار الآخرين لحاجياته بعد أن قاموا بإنزال السعر ما دام لا يلزمهم أي قرار حكومي، فيشتري ويبيع ويزداد ماله بزيادة بيعه وقلة نفقته، والفائدة تعم على جميع المجتمع آنذاك.
المقالات المتعلقة بقيمة زكاة المال