من الثّوابت الفلكيّة والفيزيائيّة في العصر الحاليّ أنّ الأرض تدور حول نفسها باستمرار، وتدور حول الشّمس باستمرار أيضاً، ولذا اهتمَّ عُلماء الفيزياء خلال عصر النّهضة بتحديد سُرعة دوران الأرض حول محورها؛ لأنّه يُحدّد الكثير من المعالم والخصائص الموجودة على الأرض نفسها. ومن المعروف أنّ السّنة الشمسيّة أو الروميّة تسير وفقاً لدوران الأرض حول الشّمس، فما أن تُكمِل الأرض دورتها حول الشّمس حتى تنتهي السّنة. وتدورُ الأرض أيضاً حول نفسها خلال أربعٍ وعشرين ساعة، فهي بإتمامها لدورانها يكتمل اليوم الذي تُحتسب السّاعات والأوقات بناءً عليه.[١]
تاريخ الاعتقاد بدوران الأرضلم يكُن دوران الأرض حقيقةً ثابتةً ومُعترفاً بها دائماً؛ فالفلاسفةُ القدماء لم يُناقشوا كثيراً مسألة شكلِ الكون، وكان من الفلاسفة الإغريق من اعتقدَ أن مركزَ الكون هو نُقطة في الفضاء يدورُ حولها كلُّ ما في السّماء (بما فيه الأرض)، بينما رأى بعضُهم أنَّ الأرض نفسها هي مركزُ دوران الكون. وكان الفارقُ الأساسيُّ في وجهة نظر العلم هو أنَّ العالم اليونانيّ بطليموس وضع كتاباً في القرن الثّاني الميلاديّ قال فيه أنَّ الأرض هي مركز العالم، ومُنذ ذلك الحين سادَ هذا الاعتقاد في المجتمع العلميّ، ولم يحظَى بمُناقشةٍ تُذكر لمدّة ألف وأربعمائة عامٍ تقريباً، وكان الاعتقادُ بثباتِ الأرض قائماً على سبيين أساسيّيَن: أولاً، أنّ كلَّ السّماء تبدُو وكأنّها تدور حول الأرض مرّة في اليوم، وثانياً، أنَّ الأجسام المُتحرِّكة في السّماء (وهي الشّمس والقمر والكواكب) كانت تُغيِّر مواقعها بمساراتٍ دائريّةٍ تُوحي بأنَّها في حركة دائمة حول الأرض، ولم يكُن هناك سببٌ للتّشكيك بهذا النّموذج سوى وُجود شُذوذٍ بسيط بحركات الشّمس والكواكب لم يتوافَق مع أنَّها تسيرُ في دوائرَ ثابتةٍ تماماً.[٢]
كان أوَّل عالمٍ حديثٍ اقترح أن الأرض تدور حول الشّمس هو الفلكي الألماني نيقولوس كوبرنيكوس؛ فقد وضع نموذجاً كاملاً لعمل النّظام الشمسيّ عام 1514، وأُثبتَ هذا النّموذج النظريّ عام 1610 بفضلِ أعمال العالم الإيطاليّ غاليليو غاليلي، فمن أهمِّ ما قامَ به رصدُ مدارات الكواكب، واكتشافُ وجود أقمارٍ تدورُ حول كواكب أخرى غير الأرض، ممَّا عَنى أنَّه ليس كلُّ ما في الكون يدورُ حول الأرض بالضَّرُورة. وكان الفضل النهائيّ في توضيح نموذج مركزيّة الشّمس للعالم يوهانس كيبلر الذي اقترحَ أنَّ مدارات الكواكب حول الشّمس لم تكُن دوائر مثاليّة، بل بيضاويَّة الشّكل، ممَّا جعلَ الأرصاد الفلكيّة مُتوافقة مع فكرة أنّها تدورُ حول الشّمس.[٢]
سرعة دوران الأرض سُرعة دوران الأرض حول محورهاتدورالأرض حول نفسها من الغرب إلى الشّرق (عكسُ الاتّجاه الظاهريّ لدوران السّماء)، وتبلغ سرعة دوران الأرض 1,674.66 كيلومتر في السّاعة، وهي سرعة كبيرة جداً؛ فعندَ تحويلها إلى عدَّاد الثواني ستبلغُ 465 متراً/ثانية، وهي بذلك أكبرُ بدرجةٍ واضحةٍ من سُرعة الصّوت التي لا تتعدّى 335 م/ث في هواء الأرض. وبهذه السّرعة تحتاجُ الأرض 23 ساعة و56 دقيقة بالضَّبطُ لتدور مرَّة واحدة حول محورها، إلا أنَّ جميع ساعات حساب الوقت تقريباً تَحسبُ مدّة اليوم على أنَّها 24 ساعة تماماً، والسَّببُ في ذلك أن الشّمس تحتاجُ لـ24 ساعة حتى تعود إلى الموضع الذي كانت موجودة به في السّماء أثناء اليوم السّابق، وهذه نتيجةٌ لحركة الشّمس في السّماء؛ فالشّمس لا تبقى ثابتةً في نُقطة واحدةٍ من السّماء، بل موقعها يتغيّر بالنّسبة للنّجوم والكواكب بصُورةٍ مُستمرّة. هذا الفرقُ البسيط يعني أنَّ جميع ساعات العالم تتأخَّرُ أربع دقائق كلَّ يوم، وستّ ساعاتٍ تقريباً كلَّ عام، ولتعويض هذا النقص تتمُّ إضافة يومٍ كامل جديد إلى التّقويم الميلادي مرَّة كلّ أربع سنوات، ويكون هذا اليوم في آخر شهر فبراير (شباط)، وتُعرَف السّنة التي يُضَاف إليها بالسَّنة الكبيسة.[٣]
لا يُمكن للإنسان أو سائر المخلوقات على الأرض الشّعور بالسّرعة الكبيرة التي تدور فيها الأرض حول محورها رُغم وجودهم على سطحها؛ وذلك لأنَّ كلَّ ما يُوجد فوق الأرض يتحرَّكُ - فعلياً - معها بنفس السّرعة عبر الفضاء الخارجيّ، وبحسب نظريّة أينشتاين النسبيّة الخاصّة والعامّة فإنّ الأجسام التي تحمل أجساماً أُخرى تكتسب نفس كميّات التحرّك التي تُفرَض عليها، وبالتّالي لا يُمكن أن يشعر الإنسان بحركة الأرض؛ لأنّه لا يوجد لديه مرجعٌ خارجيّ يستطيعُ الارتكاز عليه لتحديد تلك السّرعة والشّعور بها (وهي، في المُقابل، الحالة التي تجعل من يركبَ القطار يُحسّ بسُرعته، فهو يستطيع أن يرى أنَّ الهواء والأرض من حوله ثابتة، بينما هو يتحرَّكُ بسرعةٍ شديدةٍ). وبشكل تفصيليّ أكثر فكلُّ ما على الأرض يدورُ معها باستمرار، وليس سطحها فقط؛ فالغلافُ الجوي بأكمله وجميع طبقاته يدورُ حول الأرض باستمرارٍ مرَّة في اليوم، وكذلك مياهُ المُحيطات، والطّائرات التي تُحلّق في الجو، وما سوى ذلك.[١]
سُرعة دوران الأرض حول الشّمستبلُغُ سرعتها دوران الأرض حول الشّمس 29,850 متراً/ثانية، أو 108,000 كيلومتر/ساعة، وبالتّالي فهي تسيرُ في الفضاء مسافةً تبلغُ 940 مليون كيلومتر في العام الواحد.[٤] ويُمكن الحصول على هذه القيمة عن طريق حساب رياضيّ؛ فأولاً يجبُ إيجاد الزّمن الدوريّ، وهو الوقتُ الذي تستغرقه الأرض في الدّوران حول الشّمس مرّة واحدة، أي سنة كاملة، والسّنة عبارة عن 365.25 يوماً بالتّحديد، وبمعرفة نصف قطر مدار الأرض حول الشّمس - الذي هو عبارة عن 150 مليون كيلومتر - يُصبح من المُمكن وبعملية حسابيّة بسيطة حساب العلاقة ما بين الزّمن الدوريّ ومُحيط المدار؛ فإنّ السّرعة تُساوي مُحيط المدار مقسوماً على الزّمن الدوريّ، أي تصبح القيمة مُساويةً لـ29,850 متر لكل ثانية، وهي السّرعة التي تدور بها الأرض حول الشّمس، ممّا يُعطيها الفرصة لتحقيق دورةٍ كاملةٍ كلّ سنة.[٥]
المراجعالمقالات المتعلقة بسرعة دوران الأرض