إنَّ سيادة المفاهيم الشَّرعيّة ودولة القانون تُمثِّل انتصاراً لِلحقّ في وجه التعسُّف الذي يقوم على القُّوة، وقد حقَّقت الحقوق الأساسيّة للإنسان انتصاراً كبيرا له، وساعدته على مواجهة طغيان السُّلطة المُطلَقة للدَّولة وجبروتها، وقد صدرت هذه الحقوق في البداية عن الثَّورتين الفرنسيَّة والأمريكيَّة في أواخر القرن الثَّامن عشر، ثمَّ توالى صدور حقوق الإنسان على هيئة انتزاع المكاسِب ممّن يمتلكون كلَّ شيء، ومشاركتهم مع الَّذين لا يمتلكون أيّ شيء.[١]
تعريف حُقوق الإنسانحقوق الإنسان هي عبارة عن حُقوقٍ مُتأصّلةٍ في البشر؛ بغضّ النّظر عن جنسيّاتهم، أو أجناسهم، أو أعراقهم، أو ألوانهم، أو دياناتهم، أو كلّ ما كان من شأنِه تفرِقتهم، وللبشر جميعاً الحقّ في الحُصول على حقوقهم دون تمييزٍ لأيّ سببٍ كان، وحقوق الإنسان مُترابطة مع بعضها البعض ولا يُمكِن تجزئتها، ويتم التَّعبير عنها في الغالِب عن طريق القوانين أو على شكل مُعاهادت، ويُلزم القانون الدَّولي الحُكومات بِالعمل بِطُرق معيّنة؛ بِهدف تعزيز حقوق الإنسان، وحمايتها، وضمان الحُرِّيات الأساسيَّة للأفراد والجماعات، واحترام حقوق المواطنين بشكل عامّ.[٢]
حقوق الإنسان معايير أساسيَّة لا يُمكِن أن يعيش الإنسان دونَها بكرامةٍ، وتُعدّ حَجَر الأساس الذي تقوم عليه العدالة، والسَّلام، والحُريَّة؛ حيث ظهرت حقوق الإنسان في الصِّراع الذي يهدف إلى الحصول عليها، وباحترام هذه الحقوق تتمّ تنمية المُجتمع وأفراده تنميةً مُتكامِلةً، وقد نصَّت أغلب الدِّيانات على احترامها، مثل: احترام حياة الإنسان وكرامته.[٣]
ورد مفهوم حُقوق الإنسان في الإعلان العالَميّ لِحقوق الإنسان الصَّادر عن الجمعيَّة العامّة للأُمَم المُتَّحدة في العاشر من شهر كانون الأوّل لعام 1948م؛ حيث كان هذا الإعلان هو المَصدَر الأساسيّ لِفكرة حُريَّة الإنسان وحُقوقه في العصر الحديث، وقد عُرِّفت بِأنَّها الضَّمانات القانونيَّة العالميّة التي تحمي الأفراد من أيّة أفعالٍ تُعيق تمتعهم بحريَّاتهم الأساسيَّة وكرامتهم، وقد عالجت هذه الضَّمانات جوانب حياة الإنسان جميعها، ومن ضمن الحقوق المَنصوص عليها: حقّ الحياة، والحقّ في المُحاكمة العادِلة، والحقّ في المُساواة، وحقّ الحياة الخاصّة، والحقّ في التَّعليم، وحقّ الملكيّة، وحقّ المُشاركة في الحُكم وصُنع القرارات، وحريّة الفِكر والاعتقاد، وغيرها الكثير.[٣]
خصائص حُقوق الإنسانمن خصائص حُقوق الإنسان ما يأتي:[٤]
دعا الإسلام إلى حِفظ كرامة الإنسان على الأصعِدة جميعها، وفي مختلف مجالات الحياة، ومن مميِّزات حُقوق الإنسان في الإسلام ما يأتي:[٤]
وقد انطوَت فلسفة الإسلام على تبنِّيه لِحُقوق الإنسان كاملةً، وذلك عن طريق احترام النَّوع الإنسانيّ، ومُساواة البشر بعضهم ببعض، وتكريم الإنسان وتفضيله، بالإضافة إلى ربط قيمة الفرْد في المُجتمع بقيمة العمل الذي يعمله.[٥]
حقوق الإنسان عبر التّاريخ حُقوق الإنسان في العصور الوُسطى والحديثةتمثّلت حُقوق الإنسان في العصور الوُسطى بعدد من الوثائِق الصَّادِرة في عدّة دول غربيّة، ومن أهمّ هذه الوثائِق ميثاق العهد الأعظم الذي صدر عام 1215م، وكان له أثر كبير في إنجلترا وسائر أنحاء أوروبا، وقد فرض هذا الميثاقَ أُمراءُ الإقطاع على الملك جون؛ للحدّ من سُلطانه، واحتوى الميثاق على عدّة أحكام تتعلَّق بحقّ الملكيَّة، وضمان الحُرِّيَّات الشَّخصيَّة، وحُريَّة التَّنقُّل، والتِّجارة، وعدم فرض الضّرائب من غير الحصول على موافقة البرلمان.[٦]
وفي العصر الحديث حصلت نهضة كبيرة أدَّت إلى إصدار مواثيق اهتمّت بحُقوق الإنسان؛ ففي عهد المَلِك شارل الأوّل صدرت عريضة حُقوق حملت الرّقم 1628، وفصّلت حقوق البرلمان التَّاريخيَّة، كما ذكَّرت بحُقوق المواطنين التَّقليدية التي وردت في الشَّرائع القديمة، وقد تقرّر المبدأ الذي نصَّ على أنّه لا يُجبَر أحد على دفع أيّ ضريبة من الضَّرائب المفروضة، ولا يُجبَر أحد على تقديم أيّ هِبَة أو عطاء مجّاني إلّا بِصدور قرار من البرلمان.[٦]
حقوق الإنسان في العصر الحاليّدخلت حقوق الإنسان في الحِقبة الحاليَّة مرحلةً جديدةً، وهي المرحلة الدوليَّة، فأخذت الطَّابع الدَّوليّ في مواضيعها، وتزامَنَ ذلك مع قِيام الحرب العالميَّة الأولى، وتأسيس عُصبة الأُمم المُتَّحدة الَّتي وضعت في نصوصها بنوداً تختصّ بحُقوق الإنسان، ثمّ حدثت الحرب العالميّة الثَّانية، وأُسِّست الأُمَم المُتَّحدة التي أشارت في ميثاقها إلى احترام حُقوق الإنسان وتعزيزها.[٦]
وقد مرَّت حقوق الإنسان بالكثير من المراحِل أثناء مِسيرتها، فهي ليست حركةً وليدةً أو اختراعاً حديثاً، إنّما تمتدّ جذورها مع امتداد التَّاريخ الإنسانيّ، وكانت بداية هذه المراحِل مرحلة الحضارات القديمة؛ حيث ارتبط مفهوم حقوق الإنسان فيها بفكرة الدّولة، والقانون، وتنظيم العلاقات بين أفراد المُجتمع، وانتشر في هذه المرحلة كلّ من الرِّق والعبوديّة، وشاعت ظاهرة الحُكَّام الإلهيّة، الأمر الذي أدّى إلى تقليل أهميّتها وأثرها على حُقوق الإنسان ومرحلة الأديان السَّماويَّة، فقد شكَّل ظهور الأديان السّماوية وخاصّة الدِّينان: الإسلاميّ، والمسيحيّ علامةً فارقةً ومُهمّةً في نظرة المُجتمع لِحُقوق الإنسان، وسَمَت قِيَم العدل والمُساواة في هذه المرحلة.[٦]
تابعت حركة حُقوق الإنسان مسيرتها مروراً بِمراحل كثيرة إلى أنْ أصبحت المِحور العالميّ الذي تلتفّ حوله شُعوب العالَم، وظهر ذلك بِوضوح في صياغة ميثاق الاُمم المُتَّحدة، وكان ذلك في عام 1945م في سان فرانسيسكو، الذي مهّد لصدور الإعلان العالميّ لِحُقوق الإنسان في العاشر من شهر كانون الأوّل لِعام 1948م، وكان الفاصِل في تاريخ البشريَّة بأجمعها، وصدرت اتِّفاقيات دوليّة تُلزِم الحكوماتِ بوضع كرامة الإنسان وحُقوقه فوق الاعتبارات كلّها.[٦]
المراجعالمقالات المتعلقة بتعريف بحقوق الإنسان