أتى الرّسول صلى الله عليه وسلم داعياً للناس إلى الإسلام وعبادة الله تعالى وهادياً لهم وليرشدهم إلى طريق الخير والصلاح، ولكن الله تعالى لم يبعث رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين ليهدوا الناس إلى الإسلام فقط ويُبيّنوا لهم العبادات والمعاصي وثواب الجنة وعقاب النار فقط، بل بعثهم أيضاً ليكونوا مثالاً يَقتدي به الناس؛ فقد بلغ الأنبياء عليهم السلام القمّة فيما يمكن للبشر أن يصلوه من التقرب إلى الله والتقوى وفي الأساس حسن الخلق، وبلغ الرسول صلّى الله عليه وسلم قمّة الكمال البشري وأقصى ما يُمكن أن يصله الإنسان من الخلق الحسن.
حُسن الخلق هو من أهمّ الصفات التي حثّ عليها الإسلام وجميع الأديان السماوية، وجاءت هذه الصفة متمثّلةً في شخص الأنبياء جميعاً وسيّدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فقال الله تعالى في وصف خلقه صلى الله عليه وسلم:" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، فخلق الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما لم يستطع أيّ شخصٍ التقى به أو سمع بسيرته حتى ممّن يعادونه بالتحدّث عنه، وقد أمر المسلم بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم وخاصةً في موضوع الخلق، فلكي تتحلى بالخلق الحسن عليك أن تعرف ما هو الخلق الحسن.
كان عليه الصلاة والسلام خير الناس في أهله سواءً في معاشرتهم أو احترامهم أو بمعونته لهم أو بحسن كلامه معهم، وهذه ربّما تكون أحد المشاكل التي نقع فيها اليوم، فيكون الإنسان خير ما يكون مع الناس، وعندما ينقلب إلى أهله يُصبح شرّ الناس، فيصرخ ويشتم وربما يضرب متجاهلاً ما قاله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"؛ فكي يكون خلقك حسناً عليك أن تبدأ بما هو مستورٌ عن أعين الناس، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُعين أهله ويلعب معهم ويضحك، وحتّى بعد وفاة خديجة رضي الله عنها كان عليه الصلاة والسلام.
كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العدل حتى وإن كان فيما يخصّ أهل بيته، وكان عليه الصلاة والسلام يُحسن الإنصات للناس ولا يتكلّم فيما لا يعنيه أو في اللغو أو النميمة أو الغيبة، وكانت أخلاقه عليه الصلاة والسلام أخلاقاً رفيعةً حتى مع الأطفال والخدم، ولم يضرب عليه الصلاة والسلام أحداً إلّا جهاداً في سبيل الله، فلا ضرب طفلاً ولا خادماً ولا امرأةً ولا أي شخصٍ على الإطلاق، ولم يكن عليه الصلاة والسلام حقوداً يحمل الضغينة، فتقول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم صلّى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم"، وكان عليه الصلاة والسلام رحيماً عطوفاً شديداً في الحق من دون فحش، والحديث عن خلقه عليه الصلاة والسلام لا ينتهي.
قد يقول قائلٌ ما لنا نحن وخلق النبيّ عليه الصلاة والسلام، أو يقول آخر لقد كان ذاك النبيّ عليه الصلاة والسلام معصوماً، فكيف نفعل نحن ما كان يفعل، ولكنّ هذا مخالفٌ للهدف الذي بعث من أجله الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد بعث عليه الصلاة والسلام قدوةً للناس ولكلّ مسلمٍ كي يرى المثال للإنسان حسن الخلق، ونحن نعلم أنّه لن يصل منّا أحدٌ إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخلاق، ولكن يمكننا الوصول إلى مقربةٍ كبيرةٍ منها، فهذا ما فعله الصحابة الكرام، ولهذا استطاعوا نشر الإسلام في الأرض بأخلاقهم في المقام الأول.
المقالات المتعلقة بموضوع عن حسن الخلق