لم تأتِ تلك الآيات القرآنية الكريمة،والأحاديث النبوية الشريفة في موضوع تحريم الزنا لكي تورث في نفس المسلم سخطاً أو تذمراً على هذا الدين،بل على العكس تماماً؛فقد جاءت هذه الآيات والأحاديث لتهذب أخلاق المسلم،ولتنظم مسيرة حياته على النحو الذي يجعله أكثر المخلوقات استقامة وطهارة على هذه الأرض،وأكثرهم بعدا عن المساوىء والأضرار،كما في قوله تعالى:(ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا).
فتلك العلاقة المحرّمة ما بين الرجل والمرأة خارج نطاق الزوجية هي إحدى الكبائر التي حذر منها المولى وحرمها في كافة الملل والشرائع السماوية،فالزنا يعتبر من كبائر الذنوب وأعظم المعاصي،فبه تختلط الأنساب،وبه تنتهك العفة،وتنتقل من خلاله أخطر الأمراض،وأكثرها استعصاءاً على العلاج-كالإيدز مثلا-.
ونظراً لشنيع أمر هذه الخطيئة،وعظم أثرها على تفكك المجتمع وانحلاله،فقد رتب المولى-عز وجل-عقوبات تلحق بمرتكب الزنا،ومنها ما يلي:
ففي الدنيا،وبعد أن يثبت لدى الحاكم المسلم قيامه بعملية الزنا،هنا ينبغي أن يقام الحد على الزاني-ذكراً كان أو أنثى-،وتختلف العقوبة هنا بشأن الزاني؛فعقوبة الزاني غير المتزوج تختلف تماما عن عقوبة الزاني المحصن(أي المتزوج الذي سبق له وطء زوجته)،وإليكم التفصيل:
(يطلق عليه الزاني البكر)،ويستوي في هذا الذكر والأنثى،هو الجلد مئة جلدة بسوط معتدل بحيث يكون الجلد لا خفيفا لا يؤلم ولا غليظا يجرح،والنفي خارج بلده مدة عام واحد.
(الذي سبق له الزواج)،هو الرجم حتى الموت،ويستوي في هذا أيضا ًالذكر والأنثى. ومصداق هذا قوله-صلى الله عليه وسلم-:(البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام،وعلى الثيب الرجم)."الثيب هو المتزوج"
ومما ينبغي أن نشير إليه في هذا المقام أنّ الزاني الذي لم يقم عليه الحد في الدنيا،والذي لم يتب في الدنيا هو من يستحق عقاب الله في القبر ويوم القيامة،فقد ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم-لأصحابه:(إنه أتاني الليلة آتيان،وإنهما قالا لي انطلق،وإني انطلقت معهما، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات،فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة،وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا، قلت ما هؤلاء؟ قالا لي:انطلق انطلق،إلى أن قال:فإني رأيت الليلة عجباً؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي:أما إنا سنخبرك : إلى أن قال:وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني).
إنّها دعوة إلى كل مسلم كي يتخذ حذره دوما،ويسلك نهج الله السوي المستقيم ليحيا أطيب حياة،ولينعم بثواب الله في أكرم الجنان.