بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد،
فإن الصداقة هي من أعظم الروابط الاجتماعية بين البشر، والصداقة يمكن أن تكون بين شخصين فقط، ويمكن أن تكون بين أكثر من شخصين. والصداقة في اللغة: مشتقة من الجذر اللغوي (صدق)، وللأهمية سنقوم باقتباس كلام أهل اللغة الذي يبين معنى الصداقة، حيث يقول ابن فراس صاحب معجم مقاييس اللغة: « (صدق) الصاد والدال والقاف أصلٌ يدل على قوة في الشيء...، والصداقة مشتقة من الصِّدق في المودة. »، ويقول ابن منظور صاحب معجم لسان العرب: « والصَّداقة والمُصادقة: المُخالَّة. وصَدَقَه النصيحة والإخاء: أَمْحَضه له. وصادَقتُه مُصادَقةً وصِداقاً: خالَلْتُه، والإسم الصَّداقة. وتصادَقا في الحديث وفي المودة، والصَّداقة مصدر الصَّدِيق، واشتقاقُه أنه صَدَقَه المودَّة والنصيحة. والصَّدِيق: المُصادِقُ لك، والجمع: صُدَقاء وصُدْقانٌ وأصْدِقاء وأَصادِق. »
يتبين معنا مما سبق بأن أصل اشتقاق كلمة (الصديق) هو الصدق في مودة والنصيحة، فإذا كان عند شخص ما صديق ولكنه كاذب وخائن، ولا يَصْدُقه في النصيحة، ولا في المودة، فهو ليس صديقاً حقيقياً، والعلاقة التي تربط بينهما ليست علاقة صداقة حقيقية، وإنما هي صداقة كاذبة وشكلية. فالصدق هو الجوهر والأساس في الصداقة.
والصديق يرادفه الخليل والصاحب والرفيق، وقد يكون هناك فرق بين كل منها، حيث يكون بعضها أعلى درجة وأعظم مرتبة من البعض الآخر. والعلاقة بين الأصدقاء تقوم على عدة أسس وأمور، وهي: الصدق، والوفاء، والمودة، والمحبة، والثقة المتبادلة، والتزاور فيما بينهم، والتعاون والتشارك في مختلف الأنشطة والاهتمامات والأعمال المفيدة.
على كل مسلم أن يتحرى، ويبحث لنفسه عن الصديق الحقيقي الذي يكون مؤمناً ومخلصاً لربه، ومطيعاً له، وملتزماً بأوامره، ومجتنباً لنواهيه. فإذا لم يتحلى ذلك الصديق بهذه الخصال فإنه لا يصلح أن يكون صديقاً، وإن تمت الصداقة معه، فمن المرجح أن تكون صداقة كاذبة وغير حقيقية، وذلك لأن الذي ينسى ربه، ويتجرأ على معصيته، فلن يكون حاله أحسن مع أصدقائه، وسينساهم كما نسي ربه، ولن تكون صداقته حقيقية.
ويجب أن يكون الصديق وفياً ومخلصاً وأميناً وناصحاً، ويتحلى بكل المعاني التي تحملها كلمة (الصداقة)، وأن يكون من الذين يعينون أصدقائهم في أوقات الشدة والضيق، فكثيراً ما نسمع هذا القول: الصديق وقت الضيق.
ويجب أيضاً أن يتأنى ولا يتسرع المرء باختيار أصدقائه، وعليه أن يختبرهم قبل إقامة الصداقة معهم، ويتأكد من صلاحهم الديني والخلقي، وذلك لأن الصديق يتأثر بصديقه، ويتطبع بما هو عليه، وقد حثنا على هذا الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « الرجل على دين خَليله، فلينظر أحدكم من يُخَالل. » [رواه أبو داود، وغيره، وصححه الألباني].
المقالات المتعلقة بكيف يتم اختيار الصديق