في كثير من الأحيان نشعر أننا نعيش في أماكن مختلفة غير التي نعيش بها، فيكون الأمر بالنسبة لنا بمثابة شعور بالضياع، فكثيراً ما يكون الحنين للمكان الذي ولدنا فيه أكثر من المكان الذي عشنا طوال عمرنا في كنفه، فالوطن هو أغلى ما يملك الإنسان، وهو السبيل الوحيد للحياة الكريمة، فوطننا الحبيب هو الذي نتحمل التعب والإرهاق في سبيله، وهو المكان الآمن الذي من الممكن أن نعبر به عن مشاعر عشناها سابقاً، وتولدت معنا، وبقيت تكبر حتى أصبحت من أكثر الأماكن التي تعني لنا الكثير في حياتنا، فمهما بلغ الوطن ذروته من التعب والضعف يبقى هو المكان الوحيد الذي نستحمله، حتى لو شعرنا أننا نضيع بين أطرافه، فلا راحة إلا في الوطن الذي كبرنا فيه، ولا إنجاز إلا في المكان الذي اعتبرناه جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، فأصبحنا نشك في كل شيء، ولكن لا يمكننا أن نشك في عروبتنا التي أحيت بنا الكثير من المشاعر المختلفة، فالوطن هو الملاذ الآمن لنا، وهو المكان الذي لا يمكننا تصور الحياة بصفة عامة بدونه، وعلى السبيل الشخصي فإنني أعشق وطني، وأحن له في كل وقت وحين، حتى عندما أغيب عنه قليلاً أشعر بالاشتياق والحنين له، ومن منا لا يشعر بذلك، فهذا هو المكان الذي حملنا، وتحمل منا الضعف والكسل، وحتى الجبن، تمتعنا في الكثير من أوقاته حتى أصبع شغلنا الشاغل أن نكون خير مثال يعيش على هذه الأرض.
كيف نخدم الوطنمعروف أن الوطن هو الجزء الذي يعيش بداخلنا، فكل منا يحمل لوطنه مشاعر جياشة لا يمكن أن نتجاهلها، فلو أردت مثلاً أن تعرف مدى حبك لوطنك لرأيت ذلك من خلال الحنين الغريب الذي يسري بجسدك من وقت لآخر وقت المغيب، ولو أردت أن تعرف شعورك عند الغياب ما عليك إلا الرحيل من محافظة لأخرى لتجد أن شعورك مضطرب، فمن جهة أنت في وطنك، ومن جهة أخرى تشعر بالغربة لأنك في المكان غير المكان الذي ترعرعت به، وكان الهدف من ذلك زيادة الارتباط الذي يجمع بين المواطن وبلده.
ومن أهم الطرق التي عرفت منذ القدم لخدمة الوطن تنوعت ما بين خدمة بالقلم، وخدمة بالعلم، وخدمة بالسلاح، فكل منا يخدم وطنه بالطريقة التي يعرفها، وحديثنا هنا سيدور عن أبرز الطرق التي من شأنها أن تخدم الوطن، والتي عرفنا أنه من الممكن أن يتم الأمر بأكثر من طريقة، ومن أبرزها ما يلي:
خدمة الوطن بالقلمفمن الممكن للطالب والشاعر والأديب أن يخدموا وطنهم بالطريقة التي يعرفونها، وهي لغة القلم التي ما عادت اليوم متوقفة على هذه الأطياف، فكل من يعرف القراءة والكتابة أصبح اليوم يحاول أن يكون خادماً لوطنه، فبكلمات معبرة عن حب الوطن نستطيع أن نخدم وطننا بكل ما أوتينا من قوة، ويمكن خدمة الوطن من خلال الشعارات المرسومة أو المكتوبة أو حتى المقروءة التي تستخدمها فئة معينة في المجتمع وهي فئة الكتّاب والعلماء، وهذه الفئة لها التأثير الأكبر على المجتمع بصفة عامة، فعندما يثور العالم من أجل الوطن فاعلم أن الخطب جلل عظيم، وأن الوطن يعيش انتكاسة حقيقية في ظل الأوضاع المأساوية التي تمر على مجتمعاتنا بصفة عامة، ومن أبرزها ما حصل من ثورات متتالية خلال العشر أعوام السابقة، والتي نادت بضرورة التخلص من أنظمة الظلم و الاستبداد، وإن جئت للمحرك الأساسي لهذه الثورات لوجدت أنهم طبقة العلماء والكتاب الذين عملوا بجد وجهد من أجل إنجاح هذه الثورات، وإن انقلبت عليهم الأمور فإنهم يعلمون كيف يقومون على أقدامهم مرة أخرى، ويحاولوا أن يكونوا أجدر بوطنهم من غيرهم.
خدمة الوطن بالرايةومن أبرز الطرق التي استخدمت في خدمة الوطن كانت من خلال المناورات التي استخدمها الثوريين من خلال رفع راية الحق في وجه كل المستبدين في المجتمع، وملاحقتهم سواء أكانوا مسؤولين أو محققين أو أي شكل من أشكال الظلم الواقع على المجتمع، ويكون حملة الراية من الأشخاص السياسيين الذي يعرفون كيف يسخر الحكام خيرات الوطن لخدمة مصالحهم، ورعايتها، ويتركون الشعب بدون أي خدمات تذكر، فكان لا بد من الحراك السياسي الذي نادي بضرورة التغيير على الصعيد الحاكم أو الاجتماعي بشكل أو بآخر، ولا ننسى أن هناك العديد من الأشخاص الذين رحلوا في سبيل رفع الراية في وجه الظلم والاستبداد وكان من أبرزهم القيادي الفلسطيني زياد أبو عين الذي رفع راية الحق في وجه الظلم، فأطاحوا به بضربة على صدره أزهقت عمره الكبير، وأردته شهيداً مدافعاً عن الحق، ورمزاً من رموز القضية الثورية العربية التي تستحق الذكر من وقت لآخر، فالظلم الذي يحيط بالوطن العربي لا بد أن يندحر في يوم من الأيام، ولن يكون هناك أحد للدفاع عنه إلا الأشخاص الذين آمنوا بضرورة إنصاف الوطن وحمايته من المستبدين والظلمة على حد سواء.
خدمة الوطن بالسلاحومن منا ينكر فضل الجنود المرابطين على حدود الوطن حيث يقفون مدافعين عنه من أشرس الاعتداءات التي لحقت به، حتى راح ضحيتها على مر التاريخ آلاف الجنود الذين سخروا أنفسهم لخدمة الوطن، والدفاع عن ممتلكاته، والناظر إلى التاريخ يذكر كم عانى الجندي في الدفاع المستميت عن وطنه، فبقي مرابطاً في ليالي البرد القارص يحاول أن يستنشق هواء دافئاً، وينعم بالقليل من الراحة، ولكنه لم يجد ذلك على حدود الوطن، وبقي منتظراً نصيباً قد يصيبه فيرديه قتيلاً، أو يصيبه بعاهة مستديمة قد تلزمه الفراش طوال حياته، ومع أنهم يعلمون هذا جيداً، إلا أنهم لا يبالون بكونهم أفراداً مختارين سخرهم القدر ليكونوا على أهبة الاستعداد، ويحاولوا التصدي لأي هجوم مباغت قد يلحق الضرر بأفراد الوطن بصفة عامة، فالجندي من خير الناس على الأرض، فالله توعدهم بالجنة، لأن أعينهم قد سهرت على خدمة الوطن وحراسته، وكان الهدف جلياً واضحاً، وهو في سبيل الله، ثم في سبيل الدفاع عن الوطن من الأيدي النجسة التي تعيث به فساداً.
خدمة الوطن بالدعوة للدين وتخليصه من أمور الفسادولعل من أبرز الخدمات التي يمكن أن تقدمها لوطنك هي أن تكون داعياً للحق، وللدين، وواقفاً بجانب العقيدة بشكل كبير، فالإنسان مخلوق ليكون على بينة بأن الله هو الخالق، فالهداية في سبيل الله من الممكن أن تخدم الوطن، وتخلق مجتمعاً خالياً من الفساد، والأمور التي تغضب الله، فالدعوة من الممكن أن توقف شلالاً من الخبث والضلال كشرب الخمر والزنا وغيرها، ومن الممكن أيضاً أن يهديك الله لتكون أحد هؤلاء الأشخاص الذي يقفون بوجه الشر، ويحاولوا أن يخلقوا مجتمعاً فاضلاً، مسيطراً على أبرز أساليب الرجز والضلالة.
وختاماً لا بد من التذكر أن أي شخص في المجتمع من الممكن أن يخدم وطنه مادام قادراً على التنفس، فالحياة أصبحت قاسية للغاية، ولا بد من أيدٍ تمتد لتساعد الأجيال القادمة على النهوض في بيئة خالية من العيوب الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية، فالحياة ما عادت كالسابق، ولا سبيل إلا للوقوف جنباً لجنب من أجل الحفاظ على الحياة كما أرادها الله لمخلوقاته بصفة عامة.
المقالات المتعلقة بكيف نخدم الوطن