المالُ والبنونُ زينةُ الحياةِ الدّنيا، وما المالُ بدونِ البنون؟! فأبناؤنا وبناتنا همْ كلُّ شيء لنا في الوجود، ودونهم لا نريدُ شيئاً ولا نسعى لِشيء. كان ويكون وسيكون، هيَ الكلماتُ المكوّنةُ لكلّ الأشياء، ولكلّ شيءٍ نقطةُ بدايةٍ نبدأُها بقرارٍ ونُنهيها بقرار، المهم أنْ نُؤمنَ أنّنا نستطيعُ الوصول، وحتّى نعالجَ أيّ مشكلةٍ علينا باتخاذ القرار، وما منْ أصعبَ وأعقدَ منَ المشاكلِ التي تواجه أبناءنا وبناتِنا، لأنها مشاكل تمُسّنا بطريقةٍ أو بأخرى، ولأنَّنا سببٌ مباشرٌ أو غيرَ مباشرٍ فيها.
تعزيز ثقة الفتاة بنفسهامن أكثرِ هذهِ المشاكل نسبة فتياتنا اللواتي يُعانينَ من قلّةِ ثقتهن بأنفُسِهن وضعفِ شخصياتهن، ما يؤثّر على تفاصيل حياتهن، ويجعلُ مَواقِفَهنَّ سلبيةً ضعيفةً أمامَ واقعٍ الحياة، هذا يعودُ إلى الأخطاء التّربويّة التي اتّبعناها في تربيةِ الفتياتِ بشكلٍ خاص، كما والمجتمعِ الذكوريّ الّذي كانَ له دورُه في دعمِ هذهِ التّربيةِ في فترةٍ منَ الفترات، ولا ننسى العادات والتقاليد القديمة والموروثة دون وعيّ ولا إدراك. كلُّ ذلكَ كانَ بمثابةِ سلسلةٍ متسلسلةٍ متراكمةٍ مترابطةٍ كانَ لها أثرُها الّذي لا يزولُ بين ليلةٍ وضحاها على مجتمعِنا وأبنائِهِ وبناتِهِ، منْ هنا جاءت أهميةُ هذهِ الكلماتِ.
لا شكَّ أنَّ للوالدين التّأثير الأكبر على ابنتِهما، لذلكَ لا بدَّ منْ أنْ يتفقُ الأبُّ والأمُّ على سياسةٍ معينةٍ يتّبعانها مع ابنتهما التي تُعاني من قلّةِ الثّقةِ بالنفس، وتتمثلُ هذه السياسةُ بأنْ يكونانِ قريبانِ مِنْها دائماً قدرَ الإمكان، ويُشعرانها أنّهما يَرغبانِ وجودَها ويحتاجانِ إليها، دونَ أنْ يُشعِرانها أنّها هي التي تحتاجُهما، هذا ما يخلق في داخلها نوعاً منَ المسؤوليةِ تجاه أهلِها، ورغبةً في أنْ تتقرّبَ مِنْهم، وتحادثَهم عمّا يدورُ في رأسِها دونَ مخاوف؛ لأنّها ببساطة ليستْ مجبرةً على ذلك، وإنّما اختارت أنْ تكونَ قريبةٌ منهم؛ لأنّها تدركُ تماماً حاجتها إليْهِم، كما أنَّها لمْ تلمسْ شعورَ السيطرةِ أو الخضوعِ لرغبةِ أهلٍ يريدونَ تقييمَ ابنتِهم ومراقبةَ تصرفاتِها والحكمَ عليها، وإنّما رغبتُهم في التّقرب إليها وصداقتِها.
تُعدُّ المجالسةُ اليوميةُ اللطيفةُ مع الوالدينِ، والاهتمامُ المتبادلُ منَ الحلولِ المعالجةِ السّريعةِ لهذهِ المشكلة، حيثُ ستبدأ الابنةُ بالحديثِ بشكلٍ عفويّ وبعمقٍ أكبرَ عن نفسِها، قد ينتابُها في هذهِ المرحلةِ شعورٌ منَ الخوف أو القلقِ أو أيّ منَ المشاعرِ السّلبيةِ، ولكنْ ثقتَها بأهلها التي زرعاها فيها تجعلُ مِنها شخصيةَ مسؤولةً عنْ هذه الثقةِ وأمينةً لها، هذا لا يمنعُ من متابعةِ إشرافِ الوالدينِ السّليم غيرِ المبالغٍ فيه في تربيةِ ابنتِهِما، على العكس تماماً، تشعرُ الابنةُ بالفرحِ في هذا الاهتمامِ الحامي والداعمِ لها والغيرِ مزعج.
منْ هنا تأتي مسؤوليةُ كلّ منَ الوالدِ والوالدةِ اللّذيْن عليهم أنْ يكونا متفهميْن لابنتهما ولعمرِها وطبيعةِ تفكيرِها، بل وعليهم مساعدتها ودعمها، واعتمادهما أسلوبَ المسامحةِ وعَدمِ الإحراجِ عند وقوعِ الخطأ، وبُعدهما عنْ أُسلوبِ النّقدِ والسّخرية في التعاملِ معها، وعن مفهوم السيطرةِ والخضوعِ لرغباتِ الأهل، بل مناقشتها دائما وتعوديها على تحمُّلِ المسؤوليةِ رويداً رويدا، وعدم الاتّكاليّة والاعتماديّة، وتشجيعها الدّائم على ذلك، وكسر حاجز الخوفِ الذي يعيقُ أكبرَ نجاح، واحترام خصوصيّتِها، ما يجعلها صادقةً مع منْ حولِها وقادرةً على حلّ مشكلاتها، وستدركُ أهميةَ إرشاد الوالدين الّذي حوّلَها من شخصيةٍ ضعيفةٍ منقادةٍ لرفيقاتِها ومن حولِها دونَ سؤالٍ، إلى شخصيةٍ يُعتمدُ عليها في اتّخاذ وتنفيذِ القرار، والتّأثير بالآخرين، ويجعلُها دائمة الاستعداد والتّعلّم من ظروفِ الحياة.
وفي نهايةِ مقالِنا، هذه الكلمات التي كتبناها لك عزيزي القارئ تبني مجتمعاً جديداً يسودُه العقلُ والوعي والإدراكُ والمساواةُ والعدلُ، وفي هذه القيم نصعدُ الخطوات الأولى في سلّمِ النّجاح؛ لأنّنا معاً وسوياً نخلقُ جيلاً أفضلَ تعمُّ فوائدُه علينا وعلى أولادنا وعلى مجتمعِنا الّذي نتعبُ كثيراً منْ أجله والّذي نحبّ.المقالات المتعلقة بكيف أعزز ثقة ابنتي بنفسها