محاسبة النفس يأمُر الله تعالى الإنسان بمُحاسبة نفسه وكبح جماحها؛ فالنّفس في بعض الأحيان قد تُوسوس للإنسان وتقنعه بارتكاب المعاصي وبذلك تعمل عمل الشيطان، ولكن عندما يعرف الإنسان بأنه كلّما اجتهد في محاسبة نفسه استراح لاحقاً عند محاسبة الله له على أعماله لاستمرّ في محاسبة نفسه على أيّ عمل تقوم به. قال تعالى في سورة القيامة: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة)، وقال في سورة الإسراء (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً).
كان السلف الصالح من أكثر الناس الذن لا يدّخرون مناسبةً لمحاسبة أنفسهم وتذكيرها بالله تعالى وبحسابه يوم القيامة؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: (حَاسِبُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَن تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَن تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهوَنُ عَلَيكُم فِي الحِسَابِ غَدًا، أَن تُحَاسِبُوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرضِ الأَكبَرِ، يَومَئِذٍ تُعرَضُونَ لَا تَخفَى مِنكُم خَافِيَةٌ) (إغاثة اللهفان [1/ 145]).
محاسبة النفس نوعان هما:
- عند الهم والإرادة؛ فيقف المسلم قبل الإقبال على العمل، ويتأكّد من أنّه لله تعالى وليست فيه أي معصيةٍ له عز وجل.
- المحاسبة بعد العمل؛ وقد تكون هذه المحاسبة على طاعةٍ قصّر فيها العبد تجاه الله تعالى، أو أي عملٍ قام به ولكن كان من الخير تركه وعدم القيام به، أو على عملٍ مُباحٍ اعتاد على القيام به فإذا كان لله تعالى فقد كسب أجره ولكن إذا كان للناس فقد خسره؛ لذلك وجب على المسلم محاسبة نفسه في جميع حالاته وأحواله ليستطيع نيل الأجر العظيم من الله تعالى وتحقيق جميع الفوائد التي تعود عليه.
فوائد محاسبة النفس - الاطّلاع بشكلٍ دائمٍ على عيوب النفس وبالتالي كبح جماحها وعدم السماح لها بالتحكّم بالإنسان وتصرّفاته؛ فمن لا يطلّع ولا يقتنع بعيوب نفسه فإنه لن يجد العلاج لها أبداً، وستقوده إلى رتكاب المعاصي واكتساب الآثام.
- استعداد الإنسان دائماً للموت وما يأتي بعده، فالمسلم الذي يداوم على محاسبة نفسه يُقلّل من المعاصي ويتوب منها، ويستزيد من الطاعات والعبادات حتى تسهل عليه المحاسبة بعد الموت، ممّا يجعله غير خائفٍ من الموت كالأشخاص الذين لا يُحاسبون أنفسهم.
- تعظيم الله تعالى؛ فمحاسبة النفس تدعو الإنسان إلى استشعار عظمة حق الله تعالى عليه.
- تجعل الإنسان مداوماً على إعادة الحقوق إلى أهلها وعدم أخذ ما ليس له، كما أنّه يُحاول باستمرار تصحيح ما فات من أجل تقليل الآثام المكتسبة.
- شعور الإنسان بالانكسار والتذلل إلى الله تعالى وعدم التكبر والتعنت؛ فالنفس هي التي تُصاب بالتكبر وتجعل الشخص متكبراً ومتعنّتاً ومتعصباً لنفسه، كما نجد الإنسان قد زهد في الدنيا وما فيها.