اهتمَّ الإسلامُ بالطّهارةِ والنَّظافةِ الشخصيَّة اهتماماً كبيراً جداً، واعتنى الإسلامُ بالنَّظافةِ في جميعِ مجالاتِ الحياةِ على الصَّعيدِ الشَخصيِّ في البدنِ والملابس ونظافةِ المكانِ، فجعلَ الطَّهارةَ والنّظافة، وقصِّ الأظافر، ونظافة الثّيابِ والفم والأسنان، والتَخلُّص من الشَّعر الزّائد في الجسم عبادةٌ يُؤجرُ عليها الإنسان؛ لأنّها مِنَ الفطرةِ الصَّحيحة السَّليمة التي فطرَ اللهُ النَّاسَ عليها، فالإنسانُ حينما يتنظَّف ويتطهَّر ويُحافظ على رائحةِ جسدِهِ ومظهرِهِ بطريقةٍ لائقة فإنّه يُحافظُ على صحَّتِهِ وكرامتِهِ في نفسِ الوقتِ، ثمَّ إنَّ الإنسانَ المُسلم يقفُ بينَ يدي الله سُبحانهُ وتعالى خمسَ مرَّاتٍ في اليومِ لأداءِ الصَّلاةِ، ولا بُدَّ أن يتجهَّزَ لهذا اللِّقاءِ الرَبانيِّ المُتجدِّدِ يوميَّاً خلال ساعاتِ النَّهارِ واللَّيلِ، فيغتسل، ويتوضَّأ، ويُحافظُ على نظافتِهِ وطهارتِهِ ليكونَ لائقاً بجلالِ وقفتِهِ أمامَ اللهِ سُبحانهُ وتعالى.[١]
لقد أوجبَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى على كلِّ مُسلِم أن يتطهَّرُ مِنَ الحدثينِ؛ الحدثُ الأصغر، والحدثُ الأكبر؛ أمَّا الحدثُ الأصغر فيكونُ التَطهُّرُ منه بالوضوءِ، وأمَّا الحدثُ الأكبر فيكونُ التَطهُّرُ منهُ بالغُسلِ، فإذا أحدثَ الإنسان بسببِ البولِ أو الغائطِ أو خُروجِ الرِّيحِ ثُمَّ أرادَ الصَّلاة عندها يحتاجُ المُسلِم إلى الوضوءِ فقط، وأمَّا الحدث الأكبر وهو ما حدثَ بسبَبِ الجِماعِ ونحوهُ فإنَّهُ يحتاجُ المُسلِمُ فيهِ للتطهُّرِ إلى الغُسلِ، ولا يكفي الوضوء، بل لا بُدَّ أن يغتسل اغتسالاً كاملاً.[٢]
إنَّ تسمية الوضوء الأكبر مُرتبِطة بالحدثِ الأكبرِ، على أساسِ أنَّ الحدثَ الأكبرَ لا يُكتَفى فيه بمُجرَّدِ الوضوءِ العاديِّ، بل لا بُدَّ مِنْ تجاوزِ الوضوء العاديّ البسيط إلى وضوءٍ أكبر؛ لأنَّهُ مُرتبِطٌ بالحدثِ الأكبر، وأكثرُ استعمالِ أهلِ العلمِ للطّهارةِ مِنَ الحدثِ الأكبر بالغُسلِ. يكون الغُسلُ بأنّ يُطهِّرَ المُسلِمُ جميعَ جسدِهِ بالماءِ الطّاهرِ في نفسِهِ المطهِّرِ لغيرِهِ بنيَّةِ الطَّهارةِ، ودفعِ الحدث الأكبر الذي حصلَ بسبَبِ الجِماعِ، أو الحيضِ، أو النِّفاسِ، وهذا هو المقصودُ بالوضوءِ الأكبرِ.[٣]
يبدأُ الوضوءُ الأكبرُ بالنيَّةِ؛ وهي أن ينوي مَنْ أرادَ الوضوءَالأكبر والغُسُل أن يتطهَّرَ لاستباحةِ ما منعهُ الحدثُ الأكبر، وقد ذهبَ أكثرُ أهلِ العلمِ إلى أنَّ النيَّةَ في الغُسلِ فرضٌ مِنْ فرائضِ الغُسلِ، واستدلّوا على ذلك بالحديثِ الذي يرويهِ عُمر بن الخطَّاب -رضي اللهُ عنهُ- عن الرَّسولِ -عليه الصّلاة والسّلام- أنَّهُ قال: (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات وإنما لكلِ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهجرتُهُ إلى اللهٍ ورسولِهِ، ومن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكحُها فهجرتُهُ إلى ما هاجر إليه).[٤]
ينوي المُسلم نيَّةَ الغُسلِ ثُمَّ يتوضَّأ إذا أرادَ أن يُصلِّي، وبعدَ أن يتوضَّأ يأخذ بعضَ الماء ويُبلّل بيديه شعر رأسِهِ ليصل الماء إلى أصولِ الشَّعرِ، ثمَّ يُصبُ الماء ويُعمّمهُ على بقيّةِ الجسدِ مِن رأسهِ إلى أخمص قدميهِ بادئاً بالجهةِ اليُمنى مِن جسمه، ثُمَّ يفعلُ مرّةً أُخرى ويُعمّمُ الماءَ على الجهةِ اليُسرى مِنْ جِسمِهِ، ويتأكَّد مِنْ غسلِ جميعِ أجزاءِ جسمِهِ، ويتأكَّد من تعميمِ الجسمِ بالماءِ، ويتنظَّف ويتأكَّد مِنْ حُسنِ تنظيفِهِ لنفسِهِ بالدَّلكِ والفركِ، وذلكَ بتمريرِ يديهِ على جميعِ جسدِهِ مع صبِّ الماء.[٥]
الأفضل والأتم للغُسلِ الصّحيح الموالاة في الغُسلِ؛ بمعنى أن يغسلَ جميعَ الأعضاءِ واحداً تلو الآخر، وقبلَ أن يجفَّ جسدُهُ يُعمِّمُ الماءَ على جميعِ أعضاءِ جسمِهِ بالتّوالي حتى ينتهي مِن الغُسل، ثُمَّ يُغيِّر موقعَ وقوفهُ ويغسل قدميهِ مُبتدِئاً بالقدمِ اليُمنى ثُمَّ القدمُ اليُسرى، وبذلك يكون قد أتمَّ وضوءهُ الأكبر، ويكونُ قد اغتسل، ويحلُّ لهُ بعدَ هذا الغُسل كلُّ ما حُرِّمَ عليهِ بسبَبِ الحدثِ الأكبر؛ فالوضوء الأكبر يجعلُ المُسلم جاهزاً وطاهراً، ومُتجهِّزاً للعِبادةِ، وحملِ المصحفِ وقِراءةِ القُرآنِ، والصَّلاةِ ودخول المسجد، والطَّواف حولَ الكعبةِ.[٦]
ينقسمُ الماء إلى عدَّةِ أقسام؛ ما يصلحُ للطَّهارة، ومنها ما لا يصلُحُ لذلك، ولهذا السَّبب يتمُّ الحديثُ هُنا عن أقسام المياه للتَعرُّفِ على ما يجوزُ استعمالُهُ مِنَ الماءِ للطَّهارةِ وما لا يجوزُ استعمالُهُ للتطهُّرِ لعدمِ صلاحيَّتِهِ ليكونَ مطهِّراً لغيرِهِ: