تتعدَّدُ الألفاظ التي تصِفُ الماءَ بحالِهِ وأحْوالِهِ وتزدحم، فَمِنْها ما يَصِفُهُ ساكِناً راكِداً ومنها ما يُصَوِّرُهُ جارياً هدّاراً، ولا يكون ذلك إلّا في جُعْبَةِ لغة الضّاد وَسِعَةِ الفُصْحى ومُرُونَتِها، فالقسيبُ صوت الماء تحت قماش أو ورق، والفَقِيقُ صَوْتُهُ إذا دَخَلَ في مَضِيقٍ، ولعلّ ذلك من تأمّل العرب وتدبُّرِهم إذ كانوا يُطلقون على الشيء الواحد عِدَّةَ أسماء فيزداد المُسمّى أهميّةً وقيمةً.
صوتُ الماءِ في اللُّغةيبدو أنّ الماء يتربّع على أجمل عروش الطبيعة ولمّا كان بهذه المكانة تعدَّدت أسماؤه فكُلَّما ارتبط بحالٍ أو مكانٍ أُطلِقَ عليه اسمٌ يصِفُ دِقَّة وقوة جريانه، ولَعلَّ من أشهر أسماءِ أصواتِه هو الخَريرُ؛ وهو صَوتٌ يَحْدُثُ من شِدَّةِ جَريان الماء، وإذا ضَعُفَ خَريرُه سُمِّي بالأليل، وثانيها المَورُ وهو صوت تلاطُم الأمواج، والنَّعيرُ صوتُ نواعير المياه، والنَّشيجُ صوت الماء المُتَدفِّقِ من جوفِ الأرض، وحين يُسْكَبُ الماء في القُلَّة ِيُسمَّى بَقْبَقَةً، وحين يَغلي في القِدر يُسمَّى جَيَشَاناً ونفْطاً وغَرْغَرةً، والدّرداءُ صوت ترقرق الماء، وإن كان الماء منحَدِراً على سَفْحِ جَبَلٍ سُمِّيَ بالخَاجِِر، والعَجيجُ صوتُ النهر، والنَّجيخُ إذا هاج النهر.
صفاتُ الماء في القرآن الكريمطالما استعانَ العَربُ في القديم والحديث في شعرهم ونثرهم بِعذوبةِ الماءِ ومُلُوحَتهِ، بِصفائه وكدَرِه، بِشُحِّهِ وفائضه لِيُلَبِّيَ غَرَضهم من مَدْحٍ وَوَصْفِ جمالٍ وهِجاءٍ وحَنين، ولقد تميَّز الشاعر البحتري باستخدامه العميقِ المُتكررِ للماء ووصفه في الأشعار، ومما يتّضح لنا أن البيئة العراقية اللّتي نشأ فيها كان لها الأثر القوي الفتّان في ذلك . يقول البُحتري ابن العراق:
هَنيئــاً لأَهْــلِ الشَّــامِ أَنَّــكَ ســـــــائِرٌ
إلــيْهِمْ مَسِــيرَ القَطْــرِ يَتْبَعُــهُ القَطْــرُتَفــيضُ كمــا فــاضَ الغَمــامُ عَلَــيْهِم
تَطْلَــعُ فــيهمْ مِثْلَمــا يَطْلُــعُ البَــــــدْرُولَــنْ يَعْــدَموا حُسْــناً إذا كُنْـتَ فـيهِم
وكـانَ لَهُـمْ جـارَيْنِ: جـودُكَ والبَحْــركما يقول ابن زيدون ابن الأندلس خلابة المنظر والمظهر في شعره:
للنَســـيمِ اعْـــتِلالٌ فـــي أصـــــائِلِهِ
كأَنَّــهُ رَقَّ لــي، فاعتــلَّ إشْــفاقــــــــــــاوالـروضُ عَــنْ مائِــهِ الفِضِّــيِّ مُبْتَسِــمٌ
كمــا شــقت –عَــن اللبَّــاتِ- أطْواقــاوكان الماءُ في شعر جميل بثينة هو الرّكيزة في مشاعر الودّ والوصال، وكذلك ارتبط الماء بالحُبّ الإلهي الروحاني لدى بعض شعراء المُتصوِّفة.
المقالات المتعلقة بصوت الماء