محتويات
الإحسان
ما زالت الشريعةُ الإسلاميةُ توصي المسلمين بالإحسان من خلال النص الشرعي في الكتاب والسنة النبوية الشريفة؛ فالإحسانُ ليس مجرد كلمة، بل قول، وعمل، وجهاد، وتَضحية، وبَذل، وتَنازل، وكرمُ أخلاق، وهو كذلك أعلى مَراتب القُرب من الله تبارك وتعالى، فما هو الإحسان؟ وما الفرق بين الإحسان والإيمان؟ وما هي أنواع الإحسان؟ وما مقاماته؟
مفهوم الإحسان
الإحسان لغةً: أصل كلمة الإحسان في اللغة من حَسُنَ، والإحسان نقيض الإساءة، يُقال: رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ أي أنَّه كثير الإحسان، وقد فسّر النبي -عليه الصلاة والسلام- الإحسان في الحديث المشهور الذي يرويه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين سأل جبريل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن الإحسان فأجاب بقوله: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[١] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص، ولا يَصل الإنسان للإحسان إلّا بأن يكون مُسلماً حقاً، وأن يُؤمن بالله إيماناً خالصاً، ويَطمئنّ قلبهُ بالإيمان، فمن الإحسان استشعار مُراقبة الله؛ فإذا أراد أن يُصلي يشعر برقابة الله؛ فيُصلي بحضورٍ تامٍ وخشوع .[٢]
أمّا الإحسان اصطلاحاً فهو: أن يَعبد المسلم خالقهُ جلَّ وعلا؛ بحيث تكون عبادتهُ على وجه الحضور مع استشعار مُراقبة الله سبحانه وتعالى، فيَشعر وكأنّه يرى الله سبحانه وتعالى ويُراقبه، ويَتّيقن أنَّ الله مُطّلِعٌ عليه، وناظرٌ إليه؛ ممّا يدفع المسلم إلى دوام طاعة الله، ويدفعه كذلك لزيادة التقرّب إلى الله، وهو رادعٌ قويٌ عن المعاصي.[٣] قال بعض العلماء: الإحسان هو العبادات والأعمال التي يَتقرّب بها المسلم إلى الله تبارك وتعالى من النوافل التي لم يفرضها الله على المسلم؛ فاعتبر العلماء أن التزام النوافل يُعتبر من الإحسان.[٤]
أنواع الإحسان
الإحسان ثلاثة أنواع؛ اثنان منهما يتعلقان بعبادة الله سبحانه وتعالى، والثالث يتعلق بالقيام بحقوق المخلوقات.[٥]
الفرق بين الإحسان والإيمان والإسلام
من أجمل ما ورد في التفريق بين مراتب الدين الثلاث (الإسلامُ، والإيمانُ، والإحسان)؛ الحديث الذي يرويه الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذ يقول: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت، قال فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان. قال ثمّ انطلق، فلبثت ملياً. ثم قال لي: يا عمر: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)،[١]
في الحديث النبوي السابق؛ شرحٌ وتوضيحٌ وبيانٌ للإسلام، والأعمال التي تُدخِل الإنسان في الإسلام والتي يُعدّ بها من المسلمين، وتَوضيح وبَيان للإيمان، وأركان الإيمان، وما يَجب على المؤمن من التَّصديق بكل ما جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ثم بَيانُ الإحسان، وهو أعلى مراتب الدين في الإسلام؛ حيثُ يَرتقي المسلم ويَرتفع إلى درجة أعلى من الإيمان؛ لأنّ الإحسان تَجتمع فيه عبادة الله سبحانه وتعالى مع الاعتقاد الجازم بأنّ الله تبارك وتعالى مُطّلعٌ على المسلم، وناظرٌ إليه؛ فيَعبد ربّه وهو يستشعر مُراقبته، فهو مُسلمٌ أولاً إذا استجمع أساس الإسلام، وأركانه، ثمّ هو مُؤمن إن استقر إيمانه بقواعد الدين، واطمأنّ قلبه بالإيمان، ثمّ يَرتقي ويَسمو حين يعبد الله مع استشعار رقابة الله في نفسه؛ فيعبد الله وكأنَه يَنظر إلى الله، ويَعبد الله وهو يَعلم أنّ الله يُراقبه فيُحسن العمل ويُحسن العبادة[٣]
الإحسان في القرآن الكريم
وَرد الكلام عن الإحسان في عدة مَواضع في القرآن الكريم منها الآتي:
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وقوله: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه وهذه معية خاصة، ومعنى الذين اتقوا أي تركوا المحرمات، والذين هم محسنون أي فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ويؤيدهم ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم)[١٠]
مقامات الإحسان
لقد خلَق الله تبارك وتعالى السماوات والأرضِين وما فيهما لغاية سامية، وحكمة عظيمة، وجعل الحياة والموت ابتلاء للإنسان بإحسان عمله وصدقِ تقربه إلى الله سبحانه؛ فسخّر الحياة والموت ليَبتلي الناس أيُّهم أحسَنُ عملاً، ووردت العديد من الآيات في القرآن الكريم لتُقرّر هذا المعنى، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ).[١٤] وقال الله تبارك وتعالى في سورة الكهف: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).[١٥] وفي سورة الملك: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ)[١٦]
حتى يَسير المؤمنُ في درب الإحسان في جميع ما يَصدر عنه من أعمالٍ، وأقوالٍ، وتصرّفات؛ فإنَّ عليه معرفة الله سبحانه حق المعرفة، وعليه كذلك مراقبته سبحانه وتعالى في كلّ الأحوال، وأن يَتيقّن بأنّ الله سبحانه مُطّلعٌ عليه، وناظرٌ إليه، وأنّ الله على كلّ شيء رقيبٌ شهيد؛ لا يغيب عن علمه مِثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، فيَسمو بإحسان العمل وتَعظيم الله كأنَه يراه، ويَلتزم أوامر الله، ويَجتنب نواهيه، ويَبتعد عن كلِّ ما يُغضبه من آثامٍ، ومعاصي؛ استشعاراً لمراقبة الله سبحانه له في جميع أعماله، وحركاته، وسكناته.[١٧]
إنّ للإحسان مقامين أوردهما الإمام ابن رجب في كتبه، وهما على النحو الآتي:[١٨]
المراجع
المقالات المتعلقة بتعريف الإحسان