الوالدان هما شمعتان مضيئتان في القلوب، وهما نخلتا العمر اللتان تُعانقان عنان السماء بعطائهما وشموخهما، بل هما شمسان تُشرقان في ظلمة الحياة لتُصبح أكثر جمالاً، فالأم والأب هما أقرب الأشخاص إلى القلب والروح، بما فيها قرابةً معنويةً وقرابةً في الدم، وهما السند الحقيقي الذي تتكئ عليه جميع الأسرة لتظلّ واقفةً على قدميها وتمضي نحو الحياة بقوةٍ وصلابة، فالأم والأب يحملان أبناءهما كما تحمل الشجرة ثمارها، ويحرصان دوماً على أن يمنحا أفضل ما لديهم وأحسن ما يملكان، فالعطاء بالنسبة للوالدين ليس مجرد شيءٍ عابرٍ يقومان به بدافع الفطرة والغريزة، وإنما هو نوع من الحب والصلة العميقة التي يحركها الدم الذي يجري في عروقهما، ويقومان به بدافع الأبوة والأمومة، فالأبوة والأمومة من الأسرار الكثيرة التي أودعها الله تعالى في قلوب الوالدين، ولا يعرف تفسيرها إلا من كان في مكانهما، وهذا يُفسر السعادة الغامرة التي تملؤهما وهما يفتحان قلبيهما وأكف أيديهما لأبنائهم في كل وقتٍ، كي يأخذوا منهم كل ما يحتاجون سواء هذا الشيء كان مادياً أم معنوياً.
رغم كل ما يقدمه الوالدان لأبنائهم، ورغم كل التعب الذي يأخذ من صحتهما وراحة بالهما، لا يشتكيان أبداً، ولا يتوقفان عن التفكير في تقديم الأفضل دائماً، ولا يمنّان بعطائهما أبداً، لأنه نابعٌ من أعماق قلبيهما، فهما كسحابتان تُمطران الحب والأمن والأمان والخير ولا تنضبان أبداً، وليس أروع من الوصية الإلهية في حقهما، حيث يقول رب العزة عن الوالدين: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) سورة الإسراء (23).
مهما تعددت ينابيع الحب والفرح في الحياة، سيظلّ نبع الوالدين هو الأرقى والأنقى، فحتى قسوتهما نابعة من حبهما وخوفهما، ذلك الحب الأزلي الذي عجزت كتب الأدب أن تصفه، واحتارت ورود الكون أجمع أن تفوح بعطرٍ يُشبهه، والواجب يُحتم أن تُؤخذ كل تفصيلةٍ من تفاصيل الوالدين بعين الحب والرأفة، فما من أحدٍ يستحق الطاعة أكثر منهما، ولهذا ربط الله تعالى رضاه برضا الوالدين، وأمر بالإحسان إليهما وطاعتهما في ما يُرضي الله، وجعل لهما مكانةً عظيمةً، وجعل لمن يُحسن إليهما من الأبناء أجراً كبيراً، وجعل عقوقهما كبيرةً من الكبائر، خصوصاً في كِبرهم وعجزهم لأن مكانهما لا يسدّه أحد.
من أراد الفوز في الدنيا والآخرة، فليكن ممن ركب سفينة بر الوالدين، لأنها سفينة النجاة والحياة في الدنيا والآخرة، وهما العقد المتين الذي يجعل من العائلة كحبات اللؤلؤ المكنون، فكل شيءٍ في الدنيا قابلٌ للتعويض إلا الوالدين، فهنيئاً لمن كان والداه على قيد الحياة ونال منهما الرضا والدعاء، فدعاؤهما يُشترى بماء العين، ورضاهما هو رأس المال الذي لا يخسر أبداً، وطاعتهما هي التجارة التي لا تبور.
المقالات المتعلقة بتعبير عن فضل الوالدين وواجب الأبناء نحوهما