السّلام في مفهومه العريض لا يعني زوال الصّراع والخِصام فقط، إنّما يُمكن أن يتطلّب تأسيس حُزمةٍ من المُفردات، والقيم، والمواقف، والعادات التي ترتكز على الاحترام الكامل لمبادئ السّيادة والحُريّات الأساسيّة وحقوق الإنسان، والحوار والتّعاون بين الشّعوب والثّقافات المُتعدّدة، ونَبذ ثقافة القوّة واستخدامها، وإكراه الشّعوب لخوض خياراتٍ ضدّ إرادتهم.[١]
ولقد عرّف المُؤرّخ البريطانيّّ أرنولد توينبي السّلام بمقولة: (عِش ودع غيرك يعيش)، وقد قصد بذلك أنّ السّلام يجب أن يُمنَح للشّعب حتّى يتسنّى الحصول عليه كحالةٍ عامّة.[٢] وبما أنّ السّلام هو نعمة للبشريّة، فإنّ العُنفَ والحروبَ لعنةٌ، ولمّا كان السّلام هو المحبّة والتّعايش، فالحروب هي العِداء والتّفرقة.[٣]
الحرب نقيض السّلامأجهَدت الحروب والصّراعات على مرّ الزّمان شعوب الأرض كلّها، فالجميع يطمح اليوم إلى السّلام الذي يستجيب لآمالهم وأُمنياتهم، ويؤمِّن لهم حياةً رغيدةً دون خوفٍ من القذائف بكل أنواعها، أو الرّصاص أو القنابل أو الأسلحة النوويّة، فهذه الأمور تُخيف الكبار، وتقضي على طفولة الأطفال، وتهدم المُنشآت والحضارات والإرث التاريخيّ للأوطان.
كان جري شعوب العالم جميعاً جرياً مُجهداً وراء الوصول للغاية العظيمة الذي يطمح لها الجميع، والذي أسّست لها ودعمتها الدّيانات السماويّة جميعها على مرّ الزّمان؛ فقد دعت كلّها إلى المحبّة، والرّحمة، والتّآخي، والمودّة، وبناء المُستقبل المُشتَرك بين كافّة الشّعوب والأعراق والأجناس، فالسّلام اسم نَسَبه الله إليه ضمن أسمائه الحُسنى، وهو تحيّة المُسلمين، ودعوة الأنبياء جميعاً، وهو ما يُدعى به بعد الانتهاء من الصّلاة وكأنّها وصيّةٌ أنزلها الله للأرض لكي يُؤمن بها ويتقلّدها النّاس.[٤]
وقد نصّ الميثاق التأسيسيّ لليونسكو في ديباجته على عدّة نقاط منها: (لما كانت الحروب تتولّد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تَبني حصون السّلام).[٥]
أهميّة السّلام في حياة الفردلا يمكن أبداً إهمالُ الدّور الذي يحتلّه كلّ من السّلام والتّصالح والرَّحمة في الحياة اليوميّة؛ فقد خُلِق الإنسانُ ليعيش في سلام وأمان واطمئنان، ولم يُخلق ليُقتل ويُباد، وما يمكن تحقيقه في أوقات السّلام أضعاف ما يمكن تحقيقه في النّزاعات الدمويّة والحروب والكوارث البشريّة، ويُمكن تلخيص أهميّة السّلام في الحياة بالنّقاط الآتية:
السّلامُ يُحوّل الرّديء إلى حسنإنّ الجنس البشريّ يمتلك صفةً فريدةً من نوعها وهي تحويل السّالب إلى الموجب، وفقاً للطبيب النفسيّ الألمانيّ ألفريد إدلر، وهذه الصّفة لا يُمكن أن تتحقّق إلا بالاستقرار النفسيّ الذي يُحقّقه السّلام، فدماغُ الإنسان كنزٌ للقوة اللامُتناهية، فإذا فقد طمأنينة النّفس وقت الأزمات والحروب فإنّه لن يستفيد من قدرته العقليّة بطريقة مُجدية، حيثَ إنّ الحروب والدّمار عقبةٌ في طريق التطوّر البشريّ؛ لأنّها توقّف مُسبّباته من طمأنينة وسكينة واستقرار.
حين يتمكّن الإنسان من المُحافظة على السّلام في كل الأوقات فإنّ كثيراً من الإمكانات تتفتّح أمامه، وهذا ما يحدث عند تحويل السّالب إلى موجب.[٦]
آثار السّلامُ تعمُّ الكائنات كلّهاإنّ السّلام مُهمّ للكائنات الحية كلها على وجه الأرض أو في الفضاء الذي يُحيط بالكرة الأرضيّة، ولا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده؛ وذلك لأنّ انعدام السّلم والأمن وشيوع الحروب يتجاوز أثره وخرابه ودماره إلى حدودٍ أبعد ممّا يُمكن تصوّره؛ فتتضرّر الحيوانات وتفقد مساكنها وبيئاتها، وتُحرَق الأشجار والغطاء النباتيّ الذي يُفيد كُلّاً من الحيوان والإنسان، كما تفنى الموارد. وتُقسّم آثار الحروب وانعدام السّلم على البيئة إلى قسمين:[٧]
يتسبَّبُ انعدام السّلم والأمن بعدد من الاضطرابات والأمراض النفسيّة للأفراد، وقد تجرّ هذه الأمراض النفسيّة أمراضاً جسمانيّةً فتتفشّى بين كثير من النّاس، وهذا ما ظهر جليّاً وحدثَ للشّعوب المُشاركة في الحربين العالميَّتين الأولى والثّانية؛ فصارت أعداد المُصابين بالاكتئاب والهستيريا والفوبيا والفصام والقلق وأمراض القلب والمعدة في تزايد.[٨]
وفيما يأتي بعضُ النّقاط الأُخرى التي تُبيّن أهميّة السّلام في الحياة:[٤]
المقالات المتعلقة بأهمية السلام فى حياتنا