هجرة الرسول انطلقت دعوة الإسلام من مكة المكرمة، وتحديداً من غار حراء، حيث مرت الدعوة هناك بالعديد من الأحداث المفصلية، والمنعطفات الهامة مما ترك آثاراً كبيرة لدى المسلمين، ولعلَّ أبرز هذه الأحداث: إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، والتضييق على المسملين في حياتهم، وحصار بني هاشم، والهجرة إلى الحبشة، وذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ورحلة الإسراء والمعراج، ووفاة أبرز داعمَين للرسول الأعظم، ولجماعة المسلمين وهما: السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجته، وأبو طالب عمُّه، إلى جانب العديد من الأحداث الأخرى.
بعد مضي أكثر من عقد على بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن بذل هو ومن كان معه من الصحابة الكرام الغالي والنفيس في سبيل نشر رسالة الإسلام، وإقناع أهل مكة بها، كان من الضروري أن تأخذ الدعوة منعطفاً تاريخياً وحاسماً يكون مقدمة في حسم الصراع الدائر بين معسكر المسلمين، ومعسكر من عاداهم، فجاء الحدث الأعظم في التاريخ الإسلامي وهو الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي نوجز أسبابها وأهم الدوافع التي أدت لحدوثها فيما يلي:
أسباب ودوافع الهجرة النبوية
- الحاجة إلى إحداث تغيير جذري في طبيعة الدعوة إلى الله تعالى، واستيفاء المقاصد العليا للديانة الإسلامية، وتطبيقها عملياً كونها رسالة وشريعة تحمل في طياتها إصلاح الدنيا، والأرض من خلال ما تبثه من قيم حميدة، وتشريعات ناظمة لكافة شؤون الحياة، ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك إلا من خلال دولة متكاملة الأركان تعطي الحرية لمواطنيها، وتفتح أمامهم كافة السبل والطرق لممارسة طقوسهم بحرية، والدعوة إلى أفكارهم بأمان، وقد عمل ذلك على إتاحة الفرصة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم لإرسال الرسل، والدعاة إلى الله إلى مختلف المناطق لنشر الإسلام، بدلاً من اقتصاره على جماعة صغيرة في مدينة واحدة.
- التخلص والتحرر من ظلم أهل مكة من المشركين الذي أوقعوه على المسلمين طيلة فترة الدعوة المكية، إلى درجة موت بعض المُعذَّبين.
- تجميع المسلمين في مكان واحد، مركزي، يتبادلون فيه الآراء حول قضاياهم المصيرية، ويتعلمون فيه أمور دينهم، فتزداد وشائج القرب بينهم، ولعلَّ مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فور وصوله إلى المدينة خير دليل على ذلك.
- التنويع في البيئات التي يتواجد المسلمون فيها، مما يساعد على إيجاد العديد من المواقف التي يمكن للأجيال اللاحقة التي لم تتشرف بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثلها، والاقتداء بها في حياتها، ومن هنا فإن الفترة المدنية كانت فترة نزول التشريعات الإسلامية، وضرب الأمثلة الحية للمسلمين على الطريقة التي يجب عليهم أن يتصرفوا بها في مختلف شؤون الحياة، وبما يتوافق مع ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.