سورةُ الكوثَرِ، بآياتِها الثَّلاثِ وكَلِمَاتِها العَشْر، بِِخُلُوِّها مِنْ حَرْفِ المِيمِ إعجازاً وَفَصَاحَةً، بِكُلِّ ذلك تُعَدُّ أقصرُ سورةٍ في القُرآن الكريمِ، وهي مكِّيَّةٌ، نَزَلَتْ بعدَ سورةِ العاديات، ترتيبها في المُصْحَفِ هو 108، وتُعْتبرُ هذه السُّورةُ خاصةً بَرسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مثلَ سورةِ الضُّحى، وسورةِ الشَّرْحِ؛ يُخَفِفُ عنْهُ رَبُّهُ فيها مِنْ أَذَى المُشْركينَ ويُسَلِّي عن قلبه فيها، وَيَعِدُهُ بالخَيْرِ إذ إنّ ما يفعلونَهُ به إنَّما هو مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِم وإدْراكِهِم، ويُرْشِدُهُ إلى طريقِ الحَمْدِ والإخْلاصِ .
تفسيرُ سُورةِ الكوثرنزلت في قضية تَعْييرِ المشركينَ من أهلِ مكَّةَ والمنافقينَ من أهل المدينةِ للنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ كانوا يلمزونه في عدة أمورٍ هي:
قال ابنُ عَبَّاسٍ: (نَزَلَتْ في العاصِ بن وائلٍ؛ وذلك حين رأى رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يخرج من المسجد والعاصُ يدخل فالتقيا عند باب بني سَهْم وتحدَّثا وأناسٌ من صناديدِ قريش في المسجد جلوسٌ فلمَّا دخل العاصُ قالوا له من الذي كنت تُحَدِّثُ؟ قال ذاك الأبتر يعني النبي وكان قد توفي قبل ذلك عبدُ الله ابن رسول الله وكان من خديجةَ وكانوا يُسَمُّون من ليس له ابنٌ أبترَ؛ فانزل الله تعالى هذه السورة».
لطائفُ في سورة الكوثرمن لطائف السورة القرآنية أنها جاءت في الترتيب بعد سورة الماعون التي ذكرت أوصافَ المُنافقينَ من بُخْلٍ وَرِياءٍ وتركٍ للصَّلاة ومنعٍ للزَّكاةِ، ولقد جاءت في الصَّفحةِ نفسِها مُتممةً للمواضيع المذكورة فيها؛ ففي مقابلة البخل جاءت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي الكثير اللامنتهي، وفي مقابلة ترك الصلاة جاءت {فَصَلِّ} أي دُمْ عليها وحافظ، وفي مقابلة الرِّياءِ جاءت آية {لِرَبِّكَ} أي اسع لرضى الله لا لرضى الناس، وفي مقابلة منع الماعون جاءت {وَانْحَرْ} والمرادُ هنا التَّصََدُّقُ بلَحْمِ الأَضاحي للفقراء.
المقالات المتعلقة بأسباب نزول سورة الكوثر