لا يستغني مجتمع عن العمل، ولا إنسان كذلك، فهو من قوام الفرد والجماعة على حدٍّ سواء، ومن قوام الحياة كلها كذلك، به يُبنى الإنسان، وتُبنى المجتمعات المجتمع، وتقام الحضارات، فالعمل عليه تتوقف كل مظاهر الحياة، وتكمن أهميته في كونه يتعلق بضرورات الحياة، كالعمران، والبنى التحتية، والزراعة، والتجارة والصناعة، وغير ذلك من أنشطة الحياة وميادينها المختلفة، فكل مؤسسة يتوقف نشاطها على العمل والعمال.
فالعمل هو إذا السمة الحيّة المتحركة في الحياة، فلا حياة بدون عمل، ولا مجتمع ينهض بدون العمال، ومن هنا اهتم الإسلام بالعمل، بل كل الديانات السماوية تعطي اهتماماً بالعمل، لا لشيء إلا لأنه عصب الحياة، وعليه تتوقف كل مظاهرها.
وللإسلام نظرة خاصة نحو العمل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحثّ على العمل، وضرب لنا المثل بنفسه، حيث كان يعمل راعياً
للغنم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما بعث الله نبياً إلاّ ورعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)، وعمل كذلك -صلى الله عليه وسلم- في شبابه في التجارة، حيث سافر في تجارة مع عمه أبي طالب إلى بلاد الشام، وكذلك عمل في التجارة مع السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.وكذلك نجد أنّ المهاجرين لم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا عالةً على الأنصار، بل انطلقوا يعملون في شتى ميادين العمل في المدينة، والأنبياء قد امتهنوا حِرفاً ايضاً، فهذا موسى -عليه السلام- قد عمل راعياً للغنم في عند شعيب -عليه السلام-، عندما طلبت ابنة شعيب -عليه السلام- من أبيها أن يستأجر موسى -عليه السلام- للعمل، كما ذكر ذلك قوله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وكلنا يسمع أسماءً لامعة من علماء الإسلام الذين تسمّوا بأسماء الحرف التي عملوا بها، كالزجّاج والجصّاص، والساعاتي، وغير ذلك من أسماء قديماً أو حديثاً، وقد عمل أحمد بن حنبل حمالاً.
وتكمن أهميّة العمل في أنّه مصلحة للفرد والمجتمع على حد سواء، فالفرد بدون عمل لا يساوي شيئاً، فلا يستطيع الحياة، ولا يقدر على مواجهة تكاليفها العظيمة، فالحياة لا تستقيم أمورها من غير مال، والمال لا يمكن الحصول عليه من غير عمل، إذاً فهو مصلحة فردية، وهو مصلحة جماعية؛لأنّ كل مرافق الحياة تتوقف عليه كما ذكرت.
وبناء على كل ما سبق فواجبنا نحو العمال أن نهتمّ بهم، ونعطيهم حقهم كاملاً غيرَ منقوص، ونحسن معاملتهم، وننظر إليهم النظرة المناسبة بهم، ولا يجوز استغلال العامل بأي حال من الأحوال، لما في هذا الاستغلال من ظلم له، وغمط لحقه، بل يتعين علينا إيجاد المؤسسات الراعية لحقوقهم، والمنابر الناطقة باسمهم، وعلى الجهات المسؤولة كما تشرف على الأطعمة وصلاحيتها، وتقف مع المستهلك وقفتها الإيجابية الرائعة، أن تقف بذات القدر مع العمال في مختلف قطاعاتهم، وتتبع مصالحهم وتلاحق من يستغلهم، فالعمل هو الحياة بذاتها، ودونه تفقد الحياة كل قيمة لها.
المقالات المتعلقة بموضوع عن أهمية العمل