لقد ذكر الله تعالى قصصاً من الأمم الغابرة في القرآن الكريم لتكون عظةً وعبرةً للمسلمين والأمم اللاحقة، فقد قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ) [يوسف: 3]، كما أنّ هذه القصص تختبر مدى ايمان العبد بالغيب، فهو لم يشاهدها بعينيه وإنّما جاءه خبرها من عند العليم، ومن هذه القصص قصة صاحب الحوت، فمن هو صاحب الحوت؟ وما هي قصته؟
صاحب الحوت هو سيدنا يونس بن متى عليه السلام، أرسله الله تعالى لدعوة قومه في قرية نِينوى إحدى مدن العِراق، وقد كانت عاصمةً للدولة الآشورية، وكان عدد سكانها مائة ألف أو يزيدون، يعبدون الأصنام، وقد تعلَّقوا بالأموات والخُرافات، ودعاهم سيدنا يونس عليه السلام إلى توحيد الله تعالى ووعدهم بجناتٍ عرضها السماوات والأرض وحذّرهم من الكفر والإشراك، إلّا أنّ قومه قابلوه بالإعراض والجفاء والصد، فغضب عليه السلام منهم وخرج من قريته، ولكنه وقع في خطإٍ إذْ أنّ الله تعالى لم يأمره بالهجرة فجميع الأنبياء والرسل يبقون في قراهم ومدنهم حتّى يأذن لهم رب العباد بالخروج والهجرة.
خرج سيدنا يونس عليه السلام باتجاه البحر حتّى وصل إلى الشاطئ، ووَجَد سفينةً قد ضاقتْ بأهلها، فركب معهم، وأبحرت السفينة وعندما توسطوا البحر تلاطمت بهم الأمواج وتيقّن ركابها أنّهم هالكون، فاجتمعوا وقرروا التضحية ببعض الركاب لتخفيف الحمولة على السفينة، واتبعوا طريقة القرعة، فاقترعوا ووقعت على سيدنا يونس عليه السلام، ثمّ أعيدت مرةً أخرى ووقعت على سيدنا يونس مرةً اخرى، ثمّ أعيدت للمرة الثالثة ووقعت عليه أيضاً، فتقدّم يونس إلى مصيره وتلاطمته الأمواج، ولم يبقَ طويلاً حتّى ابتلعه الحوت، فقد قال تعالى: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات: 142].
عندما دخل بطن الحوت أيقن عليه السلام بالهلاك لا محالة فلا يوجد هواء ولا ماء ولا طعام، وتذكّر أنّ له رباً يسمع النداء ويغيث المكروب، فنادى الله وناجاه بدعائه، (لا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].، فقد لجأ إلى الله وأقر بالعبودية والتوحيد والتعظيم والاعتراف، كما أنّ في هذا الدعاء تنزيه الله تعالى وتعظيمه وتقديسه، فاعترف يونس عليه السلام باستعجاله الخروج من قريته، فشاءت قدرة الله تعالى أن يعيش يونس في بطن الحوت كما يعيش الجنين في بطن أمه، وبقي هناك مدةً من الزمان، وكان في تلك الفترة يسبّح ويناجي الله تعالى في كربته، فاستجاب له رب العباد ولفظه الحوت في مكانٍ خالٍ من الأشجار، وقد تغيّر حاله فقد اعتلّت صحته وتغيّر بدنه وأصبح جلده رقيقاً، فأنبت له الله تعالى شجرة يقطينٍ ليستظل بظلها ويتناول من ثمرها حتّى عادت له صحته، وعاد مرةً أخرى إلى قومه يدعوهم ويتمم مهمته الأولى، وآمنت معه القرية كاملةً.
المقالات المتعلقة بمن هو صاحب الحوت وما قصته