ليوناردو دي سير بيرو دافنشي هو موسوعيٌّ إيطالي ينتمي إلى عصر النهضة، إضافةً لهذا فهو كان مهندساً ورساماً وعالماً وجيولوجيّاً ونحّاتاً وموسيقيّاً ومعماريّاً. كان دافنشي رجلاً عبقريّاً بحيث جسّد روح عصره بشكلٍ كامل في عصر النهضة، ونتج عن هذا الأمر اكتشاف كبرى نماذج التعبير في مختلف المجالات المعرفيّة والفنيّة.
دافنشي هو واحد من أعظم العباقرة في تاريخ البشرية، وهذا سبب تميّزه عمّا سواه من العباقرة على مر السنين، وقد وصف على أنه رمز لرجل عصر النهضة، وقيل عنه بأنه رجلٌ ذو فضولٍ جامح، وصاحب رؤيا وخيالٍ إبداعيٍ محموم.
ولد دافنشي في الخامس عشر من شهر نيسان عام ألفٍ وأربعمئةٍ واثنين وخمسين للميلاد في مزرعةٍ تقع بين أنجيانو وفالتو غنانو في إيطاليا. دافنشي هو الابن الأكبر لكاتب العدل الخامس والعشرين سر بييرو دافينشي، ينتمي دافينشي لعائلةٍ ثريّة، لكن والدته كاثرين هي من الطبقةِ الدنيا، وأنجبت ابنها نتيجة علاقة غير شرعيّة قامت بين الوالدين، وتمّ تعميده بالقرب من كنيسة (الصليب المقدّس)، ولم يحضر الوالدان العمادة كونهما غير متزوجين.
على الرغم من أن الطفل دافنشي كان طفلاً غير شرعي، فقد شهد ميلاده ترحيباً حاراً من ذويه، ويمكن قراءة هذا الترحيب من السجل الذي قام جدّه بتدوينه عام ألفٍ وأربعمئةٍ وسبعةٍ وخمسين، وأيضاً من حضوره في منزل العائلة الواقع في فينشي. يُعتقد بأنّ دافنشي قد بقي في منزل جده الواقع الريف حيث تلقّى علومه بشكلٍ متقطع وغير منتظم ودون تعمق، كان يحظى بِرعاية جدّه (أنطونيو) وعمّه (فرانشيسكو) والكاهن (بيرو) الذي عمده، وقد تعلّم الصغير دافنشي الكتابة من اليسار باتجاه اليمين والعكس، والكِتابة بالمقلوب بصورةٍ مناظرة لغاية الكتابة العاديّة.
أوصى جده قبل وفاته بانتقال المِيراث له وإلى الجدّة (لوشيا) والأب بيرو – والد دافنشي – وزوجته الجديدة فرانشيسكا، إضافةً للأعمام ألسندرا وفرانشيسكو.
على الرغم من ضآلة الأعمال الفنيّة لدافنشي التي تعرّض أغلبها للضياع والفقد، أو لم يكتمل إنجازها، لكنّه كان فنان عصره ويظهر ذلك جليّاً في تأثيره على عصره، واستمرّ هذا التأثير على مدى عدد من القرون حتى وقتنا هذا.
تميّز دافنشي بأسلوبٍ خلّاق ومبدع في رسوماته التي تلامس الذكريات والأحاسيس، ومن بواكير أعماله لوحة (توقير ماغي)، لكن أسلوبه المُبدع ظهر جليّاً في لوحته الشهيرة (العشاء الأخير)؛ بحيث قدّم فيها مشهداً تمثيليّاً بطريقة جديدة كليّاً، حيث جمع فيها الحواريون ضمن مشهدٍ ديناميكي مليء بالتفاعل، وصوّر فيها يسوع المسيح في المنصف هادئاً ومعزولاً، ومن موقع يسوع رَسَم مشهداً طبيعيّاً تجسّد من خلال نوافذ ضخمة رسمها خلف يسوع، لتشكل خلفيةً ذات بعدٍ درامي، وما يميّز تلك اللوحة بأنه عندما أعلن يسوع أنّ أحد الحواريين سيخونه، جسد ردود الفعل على وجوههم سواء هادئة أو منزعجة مُعبّراً عنها بحركاتٍ إيمائيّة.
من أعماله الشهيرة الأخرى لوحة (الموناليزا)، والتي حوّلته إلى نجمٍ شهير على مدار قرون عديدة. لوحة الموناليزا تعكس صورة ليزا جيرارديني زوجة فرانشيسكو بارتولوميو ديل موناليزا، ومن هنا أخذت اللوحة اسمها، قال تشارلز دي تولاني عن اللوحة بأنّها تُعبّر عن الشخص كنوعٍ خارق للطبيعة من البشر، وهي صورةٌ شخصيّة تتجاوز الحدود الاجتماعيّة وذات قيمةٍ عالميّة.
إضافةً للوحات دافنشي فإنّ له العديد من الأبحاث والتّجارب والدراسات والاختراعات في العلوم الأخرى وخاصّةً علم التشريح والهندسة وغيرها، وكان أوّل من صمّم نموذجاً للطائرة، وأوضح أنّ الإنسان بإمكانه التحليق والطيران، وبهذا يكون قد سبق عصره بقرون بفضل علمه وشغفه اللامحدود للمعرفة.
توفي ليوناردو دافنشي في الثاني من أيّار عام ألفٍ وخمسمئةٍ وتسعة عشر عن عمرٍ يناهز سبعةً وستين عاماً، وقد قيل إنّه عندما علم فرانسيس الأوّل خبر وفاته في سان جيرمان قد أطلق صرخةً مدوية. دفن دافنشي حسب وصيّته في كنيسة سانت فلورنسا، وبعد خمسين عاماً من وفاته انتهك قبره وتناثر رفاته نتيجة الاضطرابات التي نتجت عن الصّراع الديني الذي اشتعل بين الكاثوليك والمسيحيين الفرنسيين. من أقواله الشهيرة التي كتبها: "نعم، كلُّ يومٍ أذهب إلى النوم سعيداً، وذلك لحياةٍ جميلة عشتها في سعادة الموت".
المقالات المتعلقة بمن هو دافنشي