لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام إلى النّاس أجمعين لتكون المذهب والدستور الرئيس الذي يُنظّم حياة الناس أجمعين والذي يوصلهم إلى مرضاة الله عز وجل وإلى جنة الخلد، فرسالة الإسلام مستمرةٌ لا تقتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تنتهِ بوفاته، وإنّما أُنزل القرآن ليستمرّ إلى قيام السّاعة، ويكون المنهاج الذي يتبعه البشر جميعهم، ولكن وجب أن يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحفظ هذه الرسالة، ويسيّر أمور الناس وخاصّةً أنّ الفتن الكثيرة تحدث عند موت أيّ نبي من الأنبياء، وبما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ولم يكن له من الأولاد الذكور أحدٌ على قيد الحياة لحكمةٍ لا يعلمها إلا الله، والتي خمّن العلماء أنّها لكي لا يعتقد أحد من الناس أنّ أولاد الرسول هم أنبياء بعده كأبناء الأنبياء من قبله، ولذلك وجب أن يكون هنالك من يحفظ هذه الرّسالة العظيمة من بعده وأن يقوّي دعائم الإسلام التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو ما قام به الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله تعالى.
فالخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله هم من المُبشّرين بالجنة، وهم الخلفاء الذين تولوا شؤون المسلمين بعد وفاة الرّسول صلى الله عليه وسلم إمّا بإجماع المسلمين أو بتنصيبٍ من الخليفة الذي سبقه، فابتدأت الخلافة الرّاشدة بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي تولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرةً، ومن بعده انتقلت الخلافة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن ثم إلى ذي النّورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعده علي بن أبي طالبٍ كرّم الله وجهه، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين اتفقت الأمّة عليهم، ورأى بعض العلماء الآخرين أنّ الخليفة الرّاشد الأخير أو الخامس هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والذي تولّى الخلافة بعد أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمدّة ستة أشهر، وقد ذهب هؤلاء إلى هذا القول استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً)،[١] واكتملت الثلاثون سنةً التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، كما أطلق الناس أيضاً على الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بخامس الخلفاء الرّاشدين، وعمر بن عبد العزيز يرجع نسبه من أمّه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قاموا بإطلاق هذا اللقب عليه لأنّه رحمه الله كان عدله كعدل الخلفاء الرّاشدين، فعاش الناس في عصره حياةً من الرفاهية والقوّة والعزّة للإسلام والمسلمين، وبحسب من يقولون أنّ الحسن بن علي هو خامس الخلفاء الراشدين يكون عمر بن عبد العزيز هو سادسهم.
أبو بكرٍ الصديقهو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشي، ولقبه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، وهو أوّل الخلفاء الرّاشدين، وهو من العشرة المُبشرين في الجنة، وهو خير من طلعت عليه الشمس بعد النبيين، لُقّب بالصدّيق لأنّه كان يُصدّق الرسول عليه السلام بكل ما يأتي وخاصة ليلة الإسراء والمعراج، وكان أيضاً يُلّقب بالعتيق لأنّ الرسول عليه السلام أخبره أنّه من عتقاء النار، كان أبيض اللون، نحيفاً، غنيّاً من سادات قريش، لم يشرب الخمر حتى في الجاهلية. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبّ أبو بكر رضي الله عنه الرسول حباً جمّاً، حُبّاً يفوق حبّه للولد والمال والدنيا كلها، وتحمّل معه الأذى طوال مراحل الدعوة الإسلامية، وهو أول من آمن بالرّسول صلى الله عليه وسلم من الرجال ورفيقه في هجرته وتم ذكره في القرآن حينها، بقوله تعالى: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)،[٢] وهو أحبّ الناس إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زوجته عائشة رضي الله عنها التي هي ابنة أبي بكرٍ الصديق أيضاً.[٣]
مواقفه في الإسلام لا تعدّ ولا تحصى، فهو من الدعائم القويّة التي قام الإسلام عليها، ولذلك كان رضي الله عنه هو أوّل الخلفاء الرّاشدين، فلولا حكمته رضي الله عنه وإيمانه القويّ بالله تعالى لما صمد الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لبرهةٍ واحدة بالرغم أنّ مدة خلافته كانت أقصر مدّةٍ بين الخلفاء الراشدين الأربعة إذ تولّى الخلافة لمدة سنتين وثلاثة أشهر ونصف، فكان أوّل من ثبت على الإيمان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تفاجأ الناس أجمعون، ومن ضِمنهم عمر بن الخطاب رضي الله الذي رفع سيفه يريد أن يقتل القائل حين سمع بخبر وفاة الرّسول صلى الله عليه ، فعندها قام أبو بكر الصديق وخطب في الناس فقال لهم: (ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإنّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت)، وتلى قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).[٤] فبذلك رضي الجميع بموت الرّسول صلى الله عليه وسلم وثبتوا على إيمانهم، وتمت مبايعة أبي بكر في المسجد وألقى بهم خطبة يعلن فيها أنه على خُطى الرسول الكريم قائلاً: (أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله).
كان لأبي بكر رضي الله عنه بعد ذلك العديد من المواقف أثناء خلافته التي تمّت في سقيفة بني ساعدة كبيعةٍ خاصة، ومن ثم في البيعة العامة على المنبر، قاد أبو بكرٍ الصديق حروب الردّة أي محاربة المرتدين بحنكته العسكرية وإيمانه بأنّ الله عز وجل سينصره ومن ضمنهم مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة بعد موت الرّسول عليه الصلاة والسلام، كما حارب مانعي الزكاة، أمر أبو بكر رضي الله عنه زيد بن ثابت بجمع القرآن الكريم في مصحف واحد بعدما قتل العديد من حُفاظ القرآن في حروب الردة بإشارةٍ من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بالإضافة إلى الفتوحات الإسلامية التي استمرّ بها رضي الله عنه ففتح في خلافته بلاد الشام والعراق، كما استمرّ في محاربة الروم والفرس. توفّى أبو بكر رضي الله عنه في سن الثالثة والستين، ودُفن ببيت السيدة عائشة، بجوار الرّسول عليه السلام.[٥] عمر بن الخطابهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، أبو حفص وخاله أبو جهل عمرو بن هشام، لُقّب بالفاروق لأنّه كان يُفرق بين الحقّ والباطل، وأول من لُقّب بأمير المؤمنين، هو ثاني الخلفاء الراشدين، ومن العشرة المبشرين في الجنة، أسلم في السنة الخامسة من الهجرة بعد أن سمع شقيقته تتلو سورة طه فرقّ قلبه وأعلن إسلامه فوراً، كان سيّد وبطل وسفير قومه في الجاهليّة، قام أبو بكرٍ الصديق باستخلافه رضي الله عنه قبل وفاته، وأخذ الموافقة والبيعة على ذلك من الناس جميعاً، فكان الفاروق رضي الله عنه خير خلف لخير سلف. زخرت سيرة الفاروق بالكثير من الأعمال التي قدمها أثناء خلافته فهو أوّل من دوّن السنة النبوية، وهو أوّل قاضٍ في الإسلام في عهد أبي بكر رضي الله عنه، هو من قام بردّ النساء السبايا من حروب الردّة إلى قومهنّ، كما عدّل بعض الأمور الماليّة في بيت مال المسلمين، وكان يطوف على أمته ليلاً ليطمئن على أحوالهم، وأنشأ تكيّة طعام للفقراء فيها التّمر، والزّبيب، والدقيق، وكان يُتبع أحوال الجيوش وأفعالهم في القوم، وشُيّد في عهدة اثنا عشر ألف منبر، وشيّد الطرق بين مكة والمدينة، وأنشأ التّاريخ الهجري وكان ورعاً في أمور قومه أشد الورع حتى الحيوانات إذا تعثرت في الطريق كان يُحاسب نفسه عليها، وكان يردد دائماً: (أحبّ الناس إلي من أهدى إلي عيوبي).[٣].
شهدت الأمّة على عهده العدل الكبير واتساع رقعة الدولة الإسلامية في الفتوحات المتتالية التي حصلت في عهده، ومن أهمّها فتح العراق وبلاد فارس، وموقعة القادسيّة، وفتح الشام، ومعركة اليرموك، وفتح مصر، وفتح القدس وقام باستلام مفاتيحها من واليها وصلى في محراب داوود. كانت إدارة عمر بن الخطاب للدولة من أعظم الإدارات التي توصف بالعبقرية على المستوى العالمي بأكمله وليس على مستوى التاريخ الإسلامي فقط، إذ استطاع عمر بن الخطاب تخطّي العديد من الأزمات التي حصلت في عهده بحنكته والتي كان منها انتشار مرض طاعون الذي مات فيه خمس وعشرون ألف، استشهد رضي الله عنه شهيداً بطعناتٍ من خنجرٍ مسمومٍ من أبي لؤلؤة المجوسي وهو يؤم الناس بصلاة الفجر وعمره ثلاثة وستون عاماً.[٥]
عثمان بن عفانهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، المُلّقب بذي النورين؛ لأنّه تزوج من ابنتي الرسول عليه السلام؛ تزوج رقيّة وبعد وفاتها تزوّج بأم كلثوم، هو ثالث الخلفاء الرّاشدين، ومن العشرة المبشرين في الجنة، كان من أغنياء وأشراف الجاهلية، وكان شديد الحياء، وليّن الجانب، رقيق البشرة، وكثيف اللحية.[٦] تمت مبايعته بالشورى في المسجد النبوي، واستمرّت خلافته لمدّة اثني عشر عاماً، وشهدت خلافته الكثير من الفتوحات والتوسعات الإسلامية فازدادت رقعة الخلافة الإسلاميّة، استمرت الفتوحات الروم وفارس، وتم فتح إفريقيا بانتصارٍ ساحق ، كما أنشأ أسطولاً إسلامياً قوياً بإشارة من معاوية، وسقطت الدولة الساسانيّة في عهده، كما تمّ فتح قبرص في عهده، وتمّ فتح الكوفة والبصرة، وطبرستان، وبلاد الترك، وبلاد الأرمن.
من أعظم أعمال عثمان بن عفان أنّه قد جمع القرآن الكريم في عهده، ووحّد المسلمين على نسخة واحدة، ووّزع هذه النّسخ في مختلف البقاع في الدولة الإسلامية حتى يحفظ القرآن الكريم من اللغو أو الاختلاف وأرسل مع كلّ نسخة مرشداً يعلمهم قراءة القرآن بالوجه الصحيح لتعدد القراءات حينها فخاف دخول الريب في قلوب المسلمين. بدأت القتنة تشتعل في آخر عهده على يد يهودي نشر أفكاره المجوسيّة، وبدأ بعض المنافقين والطامعين باتباعه، حتى تمّ طعن عثمان في محرابه وهو يقرأ القرآن الكريم على يد كنانة بن بشر.[٥]
علي بن أبي طالبهو علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب، أبو الحسن القرشيّ الهاشميّ، زوج السّيدة فاطمة ابنة الرسول عليه السلام، وأبناؤه الحسن والحسين حفيدا رسول الله المُحبّبيان إلى قلبه وسيّدا شباب أهل الجنة، هو رابع الخلفاء الراشدين، وكان قريباً وحبيباً من الرسول عليه السلام، آخى الرسول عليه السّلام بينه وبين نفسه، كان ملازماً للرّسول عليه السّلام وكان أكثر الصحّابة درايةً وعلماً بالرّسول، لهذا استطاع أن يجتهد في تشريع أحكام العبادات كما رآها عن الرّسول عليه السّلام، وكان حكيماً، عادلاً، عميق التفكير، لديه حسن البصيرة، وهو ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوّل من آمن به من الصّبيان، والذي فدى الرسول صلى الله عليه وسلم بروحه عند الهجرة.[٧].
تولى عليّ الخلافة بعد استشهاد عثمان بن عفان، بعد إلحاح شديد من الصحابة عليه، اشتعلت في عهد ولايته العديد من الفتن التي كان لها الأثر الكبير على الخلافة الإسلاميّة، فحدثت في عهده معركتا الجمل وصفين رغماً عنه، فما كان يرغب بقيام المعركة، كما ظهر الخوارج في عهده، فاضطر إلى مواجهتم بالقتال في موقعة النهروان بعد أن تمّ إنذارهم ولم يستجيبوا. استشهد علي رضي الله عنه على يد ثلاثة من الخوارج وهو خارج إلى صلاة الفجر، وبويع ابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما على الخلافة.[٥]
المراجعالمقالات المتعلقة بمن هم الخلفاء الراشدين