لقد أراد الله تعالى أن يرحم البشرية بإرسال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم ليُخرِج الناس ممّا كانوا فيه من ظلمٍ وظلامٍ إلى النورٍ والهِداية، وقد نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلّم وكان عمره أربعين عاماً، وكان متزوّجاً من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وسنلقي الضوء على حياة سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم قبل البِعثة وبعدها.
محتوياتلقد كان عبد الله أحب الأبناء إلى أبيه، وبعد أن افتداه بمئةٍ من الإبل، زوّجه من السيدة آمنة بنت وهب وهي من أشرف سيّدات مكة المكرمة، ولكن قدّر الله تعالى أن يموت عبد الله وهو عائدٌ من تجارةٍ كان خارجاً بها إلى المدينة المنوّرة ودُفِن هناك، وقد كانت السيدة آمنة حامل بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم.
وُلِد سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم يوم الإثنين من عام الفيل، وأجمع العلماء على أنّه ولِد في دار أبي طالبٍ بشعب بني هاشم، ومن عادة العرب أن يبعثوا أبناءهم إلى البادية لترضعهم السيدات هناك، ويرعوا ويكبروا فيها لما لها من أثرٍ على صحة الطفلِ وعلى طلاقته وتعلّمه للغة العربيّة، فقدمت النِّساء من البادية إلى مكة المكرّمة يبحثن عن أطفالٍ للرضاعة، وكانت من بينهن حليمة السعديّة، وقد كان حالُها ضعيفاً وإبلها بطيئة لا تقوى على السير كالأخريات، وكانت النِسوة يبحثن عن الطفل الذي له أب ومكانة ليغدق عليهن بالأجر والهدايا، وكنّ يعرِضن عن النبي صلى الله عليه وسلّم عندما يعلمن حاله وأنّه يتيم، ولكن في النهاية قبِلت به السيدة حليمة عطفاً منها عليه، وحتى لا تعود إلى البادية من دون أطفال.
وتذكر السيدة حليمة البركات التي حلّت عليها منذ أن أخذت محمد صلى الله عليه وسلّم، منها إدرار الحليب في صدرها فرضِع سيدنا محمد وابنها الآخر حتى شبِعا، كما أنَّ الإبل التي كانت برفقتها وزوجها زادت قوّتها وزاد اللبن فيها، حتى شربت منها السيدة حليمة وزوجها وشبِعا، على عكس الظروف التي قدِما بها، واستمرّت الخيرات على السيدة حليمة وزوجها فقد كانت غنمها تذهب وترعى وتعود شبعى على عكس أغنام القبائِل الأخرى التي كانت ترجع جوعى، وعندما أصبح عمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم سنتين ذهبت به السيدة حليمة إلى أمه لتعيده، ولكنها لم تنوي أن تعيده لما شهدت من خيراتٍ وبركاتٍ منذ أن حضنته، فطلبت من السيدة آمنة أن يبقى معها مدةً أطول، وسمحت لها بذلك.
وبعد عودة السيدة حليمة وزوجها من مكة المكرمة مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بمدة تقارِب الثلاثة شهور أو الأربعة وبينما كان سيدنا محمد يلعب خلف البيوت مع الصبيان، قدِم إليه رجلان يلبسان ثياباً بيضاء، وشقّا صدره وأخرجا قلبه ونزعا حظ الشيطان منه، فخافت السيدة حليمة وزوجها من أن يكون قد أصابه مكروه، فردوه إلى السيدة آمنة وأخبراها بالقصة، وأخبرتهما أنّ له شاناً عظيماً.
وفاة السيّدة آمنة بنت وهب والدة سيدنا محمدتوفّيت السيدة آمنة وعمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ستة أعوام، وقد كانت عائدة من المدينة المنوّرة إلى مكة المكرّمة في منطقة الأبواء ودفت هناك، وهكذا أصبح صلى الله عليه وسلّم يتيم الأم والأب، ثم كفله جده عبد المطلّب، ورعاه جيداً وكان يحبّه حباً جمّاً ويميّزه عن أبنائه، وكان يتوسّم فيه الخير الكثير، وبعد وفاته أوصى أبي طالب بكفالته ورعايته، وكان عمره صلى الله عليه وسلّم ثمانية عشر عاماً.
رعي النبي صلى الله عليه وسلّم الغنمعمل النبي صلى الله عليه وسلّم في رعاية الغنم لمساعدة عمه أبي طالب، حيث كانت رعاية الغنم تتيح له الهدوء وصفاء السريرة، وحسن التدبّر والتفكّر، والتواضع والرحمة والرأفة بالمخلوقات.
وقد كان النبي معصوماً عن كل ما كان يعبده ويتبعه الناس في الجاهلية، وكان معصوماً عن الأخطاء والوقوع في الفواحِش جميعها، وعن جميع مظاهِر الانحراف التي يقع بها الفتيان في مرحلة الشباب.
زواج محمد عليه السلام من خديجةكانت السيدة خديجة بنت خويلد من أشراف مكة وقد كانت أرملة وذات مالٍ وفيرٍ، وكانت تعمل به في التجارة، فقد كانت تستأجر الرِّجال ليذهبوا بالمال ويُحضِروا البِضاعة من بلاد الشام ويبيعونها في مكة، وكانت قد سمِعت الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعن أمانته وصِدقة فأرسلت في طلبه ليعمل على تجارتها فوافق النبي صلى الله عليه وسلّم.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلّم مع غلامٍ اسمه ميسرة في تجارةِ السيدة خديجة، واشترى النبي البِضاعة وباعها في مكة وحصل على الرِبح الكبير، كما أنَّ الغلام ميسرة عندما عاد حدّث السيدة خديجة عن صِدق النبي وأخلاقه الفاضِلة ممّا زاد من إعجابها به، فأرسلت مع صديقتها أنها تود تزويج نفسها إليه، فوافق النبي، وقد رُزق منها بزينب ورقيّة وأم كلثوم وفاطمة، بينما الأولاد هم القاسم وعبد الله، ولكن قدّر الله تعالى أن يموتا قبل البِعثة.
حياة النبي صلى الله عليه وسلّم بعد البعثة بعثة النبي صلى الله عليه وسلّمنزل جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم حاملاً الرسالة الإسلاميّة بينما كان صلى الله عليه وسلّم يتفكّر ويتعبّد في الغار، وعندما عاد إلى السيدة خديجة كان يرتعش من الخوف وطلب منها أن تغطيه، فلما هدأ وذهب ما به من خوفٍ سَرَد على السيدة خديجة ما حصل معه، فهدأته وبشرّته أنه سيكون له شأن عظيم؛ لأنه كان يصل رحمه ولا يكذب ولا يؤذي أحداً.
ثم أخذته السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وهو رجل ترك العبوديّة لغير الله تعالى، وتنصّر وانعزل عن الناس، وكان على علمٍ بكتاب الإنجيل، كما كان قد فقد بصره، وعندما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلّم ما حصل معه طمأنه أنّ الذي نزل عليه هو الناموس الذي نزل على سيدنا موسى عليه السلام.
الدعوة السِّريةثم جاء الأمر الربانيّ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بتبليغ الدعوة للناس وتوحيد عبادة الله تعالى، فبدأت الدعوة الإسلاميّة سراً واستمرت ثلاثة أعوامٍ، كان الصحابة يتدارسون القرآن الكريم سراً في دار الأرقم بن الأرقم، كما أنّهم كانوا حريصين على عدم عرْض الدعوة إلّا على المقرّبين وأصحاب الثِّقة حتى لا ينكشِف أمرها، حتى وصل عددهم إلى أربعين رجلاً وامراة أغلبهم من الضعفاء والمستضعفين.
الدعوة الجَّهريةبعد أن أعدّ النبي صلى الله عليه وسلّم الصحابة إعداداً جيّداً، وغرس فيهم تعاليم الدين الإسلاميّ، وأساسيات العقيدة جاء الأمر الربانيّ بجهر الدعوة، والبدء بدعوة الأقربين وهم قبيلة قريش، فجمعهم ودعاهم إلّا أنّهم استهزؤوا به واستنكروا عليه ما يقول.
ثمّ بدأ يدعو النبي صلى الله عليه وسلّم جميع الناس، وكل من يلتقيهم ويذهب إلى محافِلهم وأعيادهم وأماكن تجمّعهم، ومن هنا بدأت معاداة قريش لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بعد أن رأت أنه لم ينثنِ عن دعوته، وأنّ أعداد الذين يتبعونه في ازدياد، كما أنّ الآيات الكريمة بدأت تسبّ آلتهم وتطعن بها، فبدأت قريش بسلسلة تعذيبها للنبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فلم تترك وسيلةً إلّا واتبعتها.
الهجرة إلى الحبشة والطائفلقد تحمّل النبي صلى الله عليه وسلّم الكثير في سبيل تبليغ الرسالة السماويّة، ولإخراج الناس من ظلماتهم، وعندما اشتدّ البلاء عليه وعلى الصحابة أمرهم بالهجرة إلى الحبشة لأنّ بها ملكاً عادلاً، ولكن قريش لحقت بهم لمحاولة استعادتهم، وبعد أن اقتنع النجاشيّ بكلامهم أمّنهم على أنفسهم عنده.
كما هاجر النبي إلى الطائِف يطلب العون والنصرَه إلّا أنهم ردوه أسوأ رد، وتوفي عمّه أبو طالب في الفترة نفسها ممّا شجّع قريش على مزيد من الظلم، فحزِن كثيراً، ثم توفيت زوجته السيدة خديجة في العام نفسه، وخفّف الله تعالى عنه بحادثة الإسراء والمعراج.
الهجرة إلى المدينة المنوّرةبعد مرور عشرة أعوامٍ من الدعوة الجهريّة ازداد أذى قريش للمسلمين فأمرهم الله بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، ثم تبِعهم الرسول الكريم هو وصديقه أبو بكر الصِّديق، وأسس في المدينة الدولة الإسلاميّة، ومنها انطلقت الجيوش لحرب الكّفار ودعوة الناس إلى عبادة الله تعالى.
وفاته صلى الله عليه وسلّمتوفّي النبي صلى الله عليه وسلّم في السنة الحادية عشرة من الهجرة، في يوم الإثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، بعد أن ألّم به المرض، وكان عمره صلى الله عليه وسلّم ثلاثاً وستين سنة.
المقالات المتعلقة ببحث حول حياة الرسول