عيد الربيع والذي يُطلق عليه في مصر شم النسيم، هو عبارة عن مهرجانٍ سنوي يقام في فصل الربيع، وينسجم هذا المهرجان مع موروثٍ ثقافيٍ قديم، حيث إنّ عيد الربيع كان من أعياد الفراعنة (قدماء المصريين)، ويحتفل بهذا العيد جميع المصريين، ومن مظاهر الاحتفال به أكل الفسيخ (سمك)، وزيارة المتنزهات وتلوين البيض.
نبذة تاريخيّةتعود بداية الاحتفال بعيد الربيع إلى ما يقارب الخمسة آلاف عام، وتحديداً في أواخر عهد الأسرة الفرعونيّة الثالثة، حيث يحتفل المصريون بهذا العيد منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، ويرى عددٌ من المؤرّخين أن بداية الاحتفال بعيد الربيع تعود إلى عهد أبعد من عصر الأسر الفرعونيّة، حيث يُعتقد أنّ الاحتفال بهذا اليوم كان معروفاً في مدينة أون (هليوبوليس).
أمّا تسمية شم النسم فتعود إلى أصل الكلمة الفرعونيّة (شمو)، وهي مفردة مصريّة قديمة لها معنيان: المعنى الأول: أنّ هذا العيد يرمز عند قدماء المصريين إلى يوم بعث الحياة، حيث إنّ المصريين قديماً كانوا يعتقدون بأن يوم العيد هو يوم أول الزمان أو بداية خلق الكون والعالم كما كانوا يتصورونه، وعلى مر العصور تم تحريف الاسم حيث أضيف له اسم النسيم، لما يمتاز به هذا الفصل من اعتدالٍ في مناخه ورقة نسماته، وما يصاحب هذا المناخ المعتدل من خروجٍ إلى المتنزهات والحدائق والاستمتاع بجمال وسحر الطبيعة في مثل هذا الفصل.
كان المصريون القدماء يعدون لهذا اليوم احتفالاً رسميّاً كبيراً في يوم (الانقلاب الربيعي)، أي في اليوم الذي تتساوى به ساعات النهار مع ساعات الليل، وهو الوقت نفسه الذي تحل به الشمس في برج الحمل، حيث كان الناس يجتمعون أمام واجهة الهرم الشماليّة قبيل الغروب ليشهدوا هذا الغروب الاستثنائي، وهنا يظهر قرص الشمس وهو يميل باتجاه الغروب متجهاً بشكلٍ تدريجي من قمّة الهرم، فيبدو وكأنه يجلس فوق قمّة هذا الهرم، وفي تلك الأثناء يحدث أمرٌ غريب إذ إن أشعة الشمس تخترق هذا الهرم، لتظهر واجهة الهرم وكأنها انشطرت إلى نصفين، وهذه الظاهرة ما زالت تحدث في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسةِ مساءً في الحادي والعشرين من نيسان من كلّ عام، وتنتج هذه الظاهرة عن سقوط أشعة الشمس على زاويةٍ معيّنة من الواجهة الجنوبيّة للهرم، فتكشف الأشعة الخافتة للشمس الخط الذي يفصل مثلثي الواجهة اللذين يتبادلان الظلال والضوء، فتظهره وكأنه قد شُطر إلى نصفين.
عيد الربيع عند أتباع الديانات السماويّةنقل اليهود عن قدماء المصريين هذا العيد، وذلك في فترة خروجهم مع موسى من مصر، والذي تزامن مع احتفال المصريين بعيد الربيع، فقد اختار اليهود – كما زعموا – ذلك اليوم لخروجهم من أرض مصر حتى لا يشعر بخروجهم المصريّون، وحمل كل ما تم نهبه من ثرواتٍ وذهب تعود للمصريين أثناء انشغال الآخرين باحتفالهم، واتخذ اليهود ذلك اليوم عيداً لهم، وقد اعتبر هذا اليوم رأس السنة العبريّة، وأُطلق عليه اسم (عيد الفصح) وتعني الخروج أو العبور باللغة العبريّة، احتفالاً ببداية حياةٍ جديدة بعد نجاتهم.
أما في الدين المسيحي فقد رافق احتفال الطوائف المسيحيّة بعيد القيامة احتفال المصريين بعيد الربيع، فكان عيد القيامة يوم الأحد يليه مباشرةً عيد الربيع يوم الإثنين، وسبب ارتباط عيد القيامة بعيد الربيع هو أنّ عيد الربيع كان يقع في فترة الصيام الكبير ومدته خمسة وخمسون يوماً، والتي كانت تسبق عيد القيامة، ولأن السمك من المأكولات المحرّمة عند المسيحيين في فترة الصوم الكبير، وبالتالي فإن السمك يُعتبر أحد مظاهر عيد الربيع، بناءً عليه تقرر نقل الاحتفال بهذا اليوم إلى ما بعد يوم القيامة مباشرةً، وما زال هذا تقليداً متبعاً حتى الوقت الحاضر. ولقد استمر الاحتفال بعيد الربيع بعد دخول الدين الإسلامي كنوعٍ من التقليد المتوارث عبر الأجيال والعصور، ولم يطرأ عليه أي تغيير يذكر.
المقالات المتعلقة بمقال عن عيد الربيع